أحببتك حلمًا وكفى

بقلم: منار السماك-شاعرة بحرينية
كلما اشتقتُ له نظرتُ الماء
ليس لأن وجهه ينعكس
لأن الماء يعرف الماء
وحده شهد دعاء الغيم
ووشوشات الضوء حين كان يمر بي
أنظر إليه كمن يقرأ كتابًا بلا حروف
أغرق في قطرته كما يغرق العارف في الذكر
كل موجة فيه تُحدثني عنه
عن ضحكته التي لم تكن
وعن صمته الذي ظل في فمي
كنت أمد يدي للماء لا لأشرب
بل لأصافحه
وإذا ارتجف سطحه علمتُ أنه يشتاق أيضًا
ثم جاء أو لعلي أنا الذي ذهبت
لا فرق فالمسافة كانت حلمًا
والزمن مجرد انحناءة في ذاكرة الماء
لم يأتِ من باب لم يُطرق علي
بل تسلل من نسمة ناعسة
من ارتعاشة ظل على الجدار
رأيته في العتمة لا بعيني
بل بالبصيرة التي ُخلقت قبل الطين
لم نتكلم
كان اللقاء صمتًا ناصعًا
كأن الأرواح تتهامس بلغة
لا نعرف أننا نعرفها
كل ما في انطفأ إلا النور
عانقته كما يعانق النهر مصبه
كما تعانق السجدة قلبًا عاد من التيه
لحظتها الماء رق وانفتح
وما عدتُ أحتاج أن أنظر فيه
لكنني أفقت
لا لأن شيئًا انتهى
بل لأن الحلم بلغ تمامه
لم يكن هنا
لا في النسمة ولا في ظل الجدار
لكنه كان بحق السماء هنا في قلبي
كما لا يكون إلا في الحلم
كان اللقاء رؤيا
نسجها الشوق خيطًا خيطًا
وزينها القلب بلآلئ ظنونه
وإن كان حلمًا فما أبهى هذا الحلم
الحب لا يقاس حضوره باللمس
بل بما يُشعل فيك من نور
رأيته نعم لكن في الباطن
حيث لا عين ترى ولا أذن تسمع
بل الروح وحدها تُبصر
وتكفيها لمسة من الحلم لتطمئن
ما خسرته لم يكن فقدًا
وما عشتُه لم يكن وهمًا
كان حبًا على هيئة حلم
وحلمًا على هيئة صلاة
فابتسمت
كمن عاد من سفرٍ طويل داخله
يحمل بين يديه لا الحبيب بل أثره
ولا اللقاء بل صدى الحضور
ما عدتُ أفتش في الماء
ولا أسأل الغيم
فقد عرفت أن الحب لا يُقاس
بطول البقاء بل بعمق الأثر
رضيت
لأن الحلم حين يكون بهذا الصفاء
لا يقل عن الحقيقة
بل يعلو عليها
ويصير صلاةً تُقال بالقلب
أغمضت قلبي لا لأنني نسيت
بل لأنني تذكرت أكثر مما يحتمل الضوء.