البحرين تُشارك بــ”هدوء تام” في مهرجان البيت البلطيقي بروسيا

من روسيا -مسرح جلجامش

في زمن تطغى فيه الآلة على الإنسان، ويعلو فيه الضجيج على كل ما هو إنساني وهادئ، يقدّم العرض المسرحي البحريني “هدوء تام” قراءة فنية شديدة الخصوصية لأزمات الإنسان المعاصر، وذلك ضمن مشاركته اللافتة في مهرجان البيت البلطيقي الدولي في روسيا.

‎العرض، الذي حمل عنوانًا يبدو هادئًا من الوهلة الأولى، يُخفي في طيّاته صرخة احتجاج صامتة ضد ضوضاء العالم الحديث، وضد القهر الذي يتعرّض له الإنسان من منظومات متشابكة؛ سياسية، ودينية، واجتماعية، بل وحتى من ذاته التي باتت تمارس على نفسها نوعًا من القمع الداخلي.

‎”هدوء تام” ليس عرضًا تقليديًا، بل هو تجربة بصرية وفكرية تكشف هشاشة الكائن البشري في مواجهة آلة الحداثة، وتطرح أسئلة وجودية عميقة دون أن تقدم إجابات جاهزة. فالعرض لا يكتفي بعرض المشكلة، بل يغوص في عمقها، من خلال لغة جسد مدروسة، وحركات مسرحية دقيقة، وأزياء تشبه جلد الإنسان، في إشارة رمزية إلى الكائن المعرّى من روحه والمفصول عن جوهره.

‎العنوان ذاته يمكن تأويله من أكثر من زاوية: فهو تارةً نداء موجّه إلى هذا العالم المفرط في الضجيج ليصمت قليلًا، وتارةً أخرى سخرية مرّة من صمتٍ قاتل جلبناه على أنفسنا، صمتٍ ليس سلامًا، بل انعكاسًا لعجز الإنسان الحديث أمام طوفان القهر والتكنولوجيا.

‎العرض يقدّم رؤية نقدية جريئة، تُحمّل السياسيين ورجال الدين المتشددين جزءًا من المسؤولية عن هذا القهر الجمعي، دون الوقوع في المباشرة أو التقريرية. وهو يتعامل مع القضايا الفكرية والإنسانية بمنهج تجريدي، إذ اختار أن يدور في زمن مفتوح، ومكان بلا ملامح، ليمنح العمل بُعدًا إنسانيًا شاملًا، لا تحدّه جغرافيا ولا لحظة آنية.

‎رغم سوداوية الطرح، إلا أن العرض أبدع في تقديم مأساة الإنسان بلغة فنية راقية، تجمع بين المتعة البصرية والتأمل الفكري، ليؤكد أن المسرح ما زال قادرًا على مساءلة الواقع، وإعادة طرح الأسئلة الكبرى حول وجود الإنسان ومصيره.