ثقافة

إطلالة على كتاب (بنية المفارقة في النص الروائي الفلسطيني المعاصر) لولاء نافذ شحادة: دكتور عبد الرحيم حمدان

إطلالة على كتاب (بنية المفارقة في النص الروائي الفلسطيني المعاصر)
لولاء نافذ شحادة.


بقلم د. عبد الرحيم حمدان


صدر عن مكتبة سمير منصور للطباعة والنشر والتوزيع بغزة كتاب بعنوان: بنية المفارقة في النص الروائي الفلسطيني المعاصر، للباحثة ولاء نافذ شحادة، طبعة أولى، سنة 2021 م، ويتألف الكتاب من( 288 ) صفحة من القطع الكبير، في طبعة أنيقة، وغلاف متين.
والكتاب دراسة تتمحور حول “الرواية الفلسطينية” تطرقت إلى مفهوم “المفارقة” التي حظيت باهتمام النقاد والدارسين؛ بوصفها تقنية أسلوبية وآلية جمالية، وقيمة فنية في البنية النصية للعمل الروائي، وكما صدرت عن تجارب الروائيين الفلسطينيين رسائلُ جامعية داخل الوطن وخارجه، وقُدمت عنها الكثيرُ من البحوث والدراسات النقدية، والتي كان آخرُها هذا الكتاب الذي هو في الأصل رسالةٌ نالت بها الباحثة درجة الماجستير من جامعة القدس المفتوحة بغزة، بيد أنها حرمت المتلقي من التعرف إلى اسم أستاذها المشرف وزملائه المناقشين الذين كان لتوجيهاتهم وإرشاداتهم أثرٌ كبير في خروج هذا الكتاب إلى حيز الوجود في صورته المتكاملة المستوية على عودها.
وقد احتوت الدراسة على جانبين أحدهما نظري تناولت فيه الباحثة مفهوم المفارقة وتعريف النقاد لها وانماطها، وأهميتها؛ لكونها تمثّل أحد العناصر الفنية الأساسية المكوِّنة للعمل الأدبي السردي القصصي، كما تعد أحد المعايير التي يتم من خلالها تقييم الجانب الفني، والحكم على أصالته وقيمته، فضلاً عن رصدها للرؤية الفنية للقاص ومدى قدرتها على تجسيد الواقع المعيش، علاوة على الحديث عن ملخص لخمس روايات وقع عليها اختيار الباحثة؛ لتكون محور دراستها النقدية، ولم تشر الباحثة إلى دوافع اختيارها هذه خمس الروايات الفلسطينية؛ دون غيرها ؛ لتجعلها موضوعاً لكتابها.
وبيّنت الدّراسة – في المجال التّطبيقيّ- الذي تألف من ثلاثة فصول سبقها(مدخل) ولحقها(خاتمة) ، وقد جاءت عناوين هذه الفصول على النحو الآتي:
الفصل الأول: المفارقة وعناصر النص الروائي، أما الفصل الثاني، فجاء بعنوان مفارقة الموقف وتجلياتها في النص الروائي، وحمل الفصل الثالث عنوانَ المفارقة ولغة النص الروائي.
إنّ المفارقة تعد من الملامح الفارقة المائزة في أدب الروائيين الفلسطينيين الذين وجدوا في هذهِ التّقنِيّةِ الأسلوبِيّةِ ما يُمكنهم من تصْوِيرِ وَاقِعٍ مؤلم معيش، لذلك كانَ وُجودُ المُفارقاتُ في تلك الأعمالِ الرّوائِيّة ضَرورةً فرَضَتْها البِيئة، ونمَطُ الحياة، وقد أسعفت المفارقة الروائيين على الخروج على بالسّرد المنتظم الذي يتوخّى المنطقيّة وتتابع الأحداث وامتثال الشّخصيّات إلى نسق متجانس من الرّؤى والمنطلقات.

وقد توصلت لدراسة إلى جملة من النتائج منها: إن حضور المفارقة في روايات الروائيين الفلسطينيين كان حضوراً مكثفاً لخدمة النتاج الإبداعي، والوقوف على التناقض والتضاد الموجود في الواقع المأزوم لطموحات وأحلام الشخصيات في المتخيل السردي.
تحدثت الباحث في مقدمة كتابها عن أهمية كتابها فقالت:
” وقد جاء هذا الكتاب ليخطو خطوة ضرورية في النقد الحديث، وهي الإلمام بموضوع المفارقة نظرياً أي من جهة المفهوم وتطبيقيًاً أي كيف تجلت المفارقة داخل النصوص الروائية الفلسطينية شكلًا وقراءة، إذ إن الدراسات السابقة لم تسلط الضوء على الرواية الفلسطينية المعاصرة، ولم تعطها حقها من تقنية المفارقة، واختلف هذا الكتاب غيره ممن سبقه من دراسات في أنه تعامل مع المفارقة وتناولها تناولًا نقدياً؛ بوصفها أساسيّة داخل النص الروائي، وتوسع في تناول أنواع المفارقة فلم يقتصر على أنماطها التقليدية المستهلكة؛ وإنما تناولها بصورة حداثية شائقة تثري النص وتحقق أهدافه( الكتاب ص: 12 ، ١٣ ).
برزت شخصية الباحثة العلمية الناقدة ناضجة حاضرة في أغلب ما تناولته من ظواهر نقدية، وقد تبدت جلية واضحة في منهجها وأسلوب مقاربتها لقضايا موضوعها، إذ تخلصت من روح النقاد السابقين، فلم تكن نسخة منهم، فكان لها أسلوبها الخاص بها، ويظهر ذلك في كتابتها التي تقول فيها:
“شكلت الأمكنة المفارقة منتجة واقعاً سردياً جديداً تم استخلاصه عبر الدلالات، والإيحاءات، والمقاربات، والمقارنات داخل النصوص الروائية، كما أن المفارقة المكانية لم تقتصر دراستها على الأبعاد المادية والمحسوسة للأمكنة، ومدى انزياحها أو انحرافها عن دلالتها الأصلية، أو الربط بين التناقضات المكانية وما يرمي إلى قصد من ورائها، ولقد تعدت المفارقات إلى الأنظمة والنواحي الاجتماعية، والسياسية، والفكرية، والثقافية، والدينية، والاقتصادية القائمة داخل تلك الأمكنة. والغوص في بنياتها العميقة، مما أخرج المكان من ثباته إلى حركته وحيويته عبر تشكيل لغوي وفني عموده المفارقة” ( الكتاب ص ٦٩).
جاء الكتاب في جملته متماسكاً قوياً متين الروابط، متشابك الأجزاء، في نجوة عن التفكك والتشتت كل مباحثه وفصوله تفضي إلى نتائج متفقة مع ما درس، وما تم تحليله واستنباطه.
تجلى في هذا الكتاب حسنُ اختيار الباحثة لموضوعها المتصل بالأدب الفلسطيني بصورة واضحة، فهذا الكتاب من البحوث العلمية الجادة التي تميزت بأمور كثيرة، ولا شك في أنَّ موضوع المفارقة من الموضوعات الشائقة الشائكة التي كانت في أمس الحاجة إلى طرح الأسئلة حولها أو إلى إعادة طرحها من جديد بشكل أكثر وضوحاً، تقول الباحثة عن قيمة هذا الكتاب، إنه وضع لتنال:
“الرواية الفلسطينية المعاصرة حظها الكامل والوافر من تقنية المفارقة ودعمها للنص الروائي الفلسطيني المعاصر، وإبراز جوانبه الفنية والجمالية، وبيان فاعلية الدور الذي تقوم به المفارقة داخل النصوص الروائية في تحطيم الرتابة السردية عبر الانزياح وما يرادفه من مصطلحات حداثية، والوقوف على أنواع المفارقة داخل النصوص الروائية الفلسطينية وتحديدها. واستحضار الدلالات المضمرة عبر تأويل المتلقي وصولا إلى قصدية المبدع، والكشف عن عناصر المفارقة وما تحققه من جماليات داخل النصوص الروائية” ( الكتاب ص ١٢ ).
بذلت الباحثة جهداً علمياً كبيراً في هذه الدراسة العلمية الجادة والقيمة، في قضايا موضوعها المتشعبة تأملاً وتفسيراً وتحليلاً، إذ حرصت الباحثة على ذكر ملخص في نهاية كل مبحث وفصل حددت فيه ملامح شخصيته، ويعد عملها هذا إضافة نقدية تذكر وتشكر للباحثة.
سلكت الباحثة سبيل المنهج الوصفي التحليلي – وإن لم تشر إليه في مقدمة كتابها-، وقد تمكنت من استيعاب منهجها وتوظيفه في الكتاب باقتدارٍ وحنكة.
جاءت لغة الكتاب، منسابة متدفقة، دقيقة في اختيار الكلمات وانتقاء المصطلحات العلمية بعناية وحرص، ذلك أن من مزايا البحث العلمي الدقة الشديدة في استخدام الألفاظ والأحكام النقدية، وصوغها في كلمات علمية مضبوطة ومألوفة. وجاءت لغة الكتاب أكثر نقاء وصفاء وجودة، فاللغة سليمة نقية نجت من الوقوع في الأخطاء الشائعة، فضلاً عن الأخطاء الطباعية. تقول الباحثة:
” … تشكلت المفارقة التصويرية في أن الصورة الأولى صامتة وحزينة، والصورة الثانية نابضة وحيوية، وكلتا الصورتين تعبران عن شدة تعلق الفلسطيني بأرضه، وإصراره على إعادتها لصورتها الأصلية منها واجهه من التحديات والمعيقات.
ومن خلال ما تقدم من نماذج تقوم على المفارقة التصويرية، لوحظ أن الجمع بين المتناقضات على مستوى الصورة الواحدة أو على مستوى صورتين متناقضتين يخلق نوعاً من الانزياح والانحراف ويزيد من حدة مسافة التوتر في النص وقوتها، وهو سمة أسلوبية تتحكم في الأعمال السردية الروائية، مرةً تجعلنا نقف على الجزئيات المتناقضة، ومرةً تجعلنا نقف على الكليات المتناقضة، وفي الحالتين دلالاتٌ وإيحاءات تعبر عن طبيعة الواقع المستمدة منه، ومن جماليتها أنها تخلق في النص روح التآلف، والتمازج، والانسجام بين المواد المتناقضة، فيبدو النص للقارئ متماسكاً، ولكن هذا التماسك يجذب انتباه القارئ، ويدفعه للغوص في أعماقه مدركا العلاقة بين المتناقضات وسبب اجتماعها في لوحة واحدة أو لوحتين اثنتين” (الكتاب ص ٢٠١) .
أتمنى للباحثة مستقبلاً زاهراً في عالم النقد، فهي ناقدة شابة واعدة لها مستقبل زاهر، وكأني أردد مع الآخرين مقولة إنها ولدت” باحثة وناقدة”. .
التعريف بالناقدة:
ولاء نافذ شحادة من غزة، ناقدة، حاصلة على شهادة الماجستير في اللغة العربية تخصص الأدب والنقد، من جامعة القدس المفتوحة، عملت معلمة المرحلة الإعدادية، شاركت في عددٍ من المؤتمرات واللقاءات الأدبية والتربوية والثقافية، وهي عضو لدى مبادرة شغف الثقافية في غزة، وعضو لدى مبادرة (ض) لإثراء المحتوى العربي وتعزيز دور اللغة العربية في جامعة دورتموند في ألمانيا، كتبت عدداً من المقالات النقدية المنشورة على المواقع والصحف الإلكترونية على شبكة الانترنت “.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى