“الكَلِمُ والكلْمُ…أثرُ الحرف وجرحُ المعنى”الحلقة العشرون من “ماء الكلام” يكتبها وليد الخطيب

الجذر “ك ل م”: من الجرح المرئي إلى الجرح اللغوي. هذا الجذر في الأصل يدلّ على الجرح والشقّ.
وقد ورد في معاجم اللغة: كَلَمتُه، كِلْمٌ: جرحته. فـ “الكَلْم” هو الجرح و”المكلوم” هو المجروح.
يقول المتنبّي:
تمرّ بك الأبطال كلمى هزيمةً ووجهك وضّاحٌ وثغرُكَ باسمُ
لكن ما علاقة الجرح بالكلام؟
إنه من أبلغ ما في العربية من اشتباك المعنى؛ فالكلام، عند العرب، قد يُصيب كما يُصيب السيف، وقد يَجرح النفس كما تجرح الشفرة الجسد. لذا، سمّوا ما يُقال: كلامًا، لأن له أثرًا، و”الأثر في النفس” شبيه بالجرح.
“الكَلِم” و”الكَلِمَة” و”الكلام”: بين الوحدة والمجموع
الكَلِم – بفتح الكاف وكسر اللام – جمعُ كلمة، لكنه في اللغة يُطلق على ما زاد على ثلاث كلمات؛ وفيه إيحاء بالتعدّد، لكنه لا يُشترط أن يكون مفيدًا، كقولنا “في، الرجل، عمل، المنزل“… فهذا كَلِمٌ لا كلام، لأنه لا يفيد معنًى.
الكَلِمَة، هي الوحدة الصغرى للمنطوق، وقد تكون اسمًا أو فعلًا أو حرفًا، وهو لا يفيد إلا بعد وضعه في سياق معيّن يؤدّي ترابطه إلى فائدة.
الكلام، هو اجتماع الألفاظ المترابطة لتفيد معنًى تامًّا. فـ “الكلام” يتكوّن من “كَلِم” لكنه مقيّد بالفائدة، فإذا قلنا: “عمل الرجل في المنزل”، حصلنا على جملة مفيدة.
أبعاد الحروف في المعنى: الكاف واللام والميم
إذا نظرنا إلى حروف الجذر، وجدنا أنّ:
حرف الكاف في كثير من الجذور يفيد الاتساع أو الحدّة (كسر، كسرى، كبد)، وهنا قد يوحي بشدة الجرح أو شدّة الأثر.
حرف اللام كثيرًا ما يدلّ على الامتداد أو الاتصال (لمس، لصق، لزم)، كأنه يوحي بـ “اتصال الجرح بالكائن” أو “امتداد الأثر”.
حرف الميم، يوحي بالتوجّع أو الانغلاق بعد الفتح، أي أن “الكلم” يُحدث أثرًا ويُغلق على الوجع.
في بلاغة المعنى
من الكَلْم نُولد، وبالكَلام نحيا، وبالكَلِم نُؤثّر ونتأثّر. فالعرب لم يرَوا في اللغة وسيلة وحسب، بل رأوها سلاحًا، وجرحًا، وشفاء. لذلك، كانت فصاحتهم بلاغةً مؤلمةً إذا شاؤوا، وعذبةً إن أرادوا. وفي هذا الإطار قال شاعر الحكمة يعقوب الحمدوني:
وقد يُرجَى لجرحِ السيف بـرْءٌ ولا برءٌ لما جرحَ اللســانُ
جراحاتُ السنانِ لها التـئـامٌ ولا يلتامُ ما جرح اللســانُ
وجرحُ السيفِ تَدملُه فيبـرَى ويبقى الدهرَ ما جرحَ اللسانُ


