فارس سباعنة: لو كنت شاعراً من غزة، قد يحق لي ما لا يحقّ لغيري

فارس سباعنة: لو كنت شاعراً من غزة، قد يحق لي ما لا يحقّ لغيري
تقديم فارس سباعنة قبل قراءة نصوص جواد العقاد في متحف محمود درويش
إلى جواد، وحيدر، وهند ومريم، وأنيس غنيمة، ونعمة حسن، وكل الشعراء الذين ذكروني، بأنني لم أكتب الشعر إلا لكي أنجو.
لو كنت شاعراً من غزة، قد يحق لي ما لا يحقّ لغيري من البشر أو الشعراء، لكن الحرب ليست مهرجاناً شعرياً كما يتصورها البعض، ولا حفلاً خطابياً
فماذا تظن الشاعر فاعلاً بهذا الحق المطلق في التعبير؟ وما هي اللعنة التي يخافها الآخرون أكثر مني، إذا كنتُ أكبر طفلٍ خائف على وجه الأرض؟
الحرب مهرجانُ اللصوص والقتلة والمرتزقة، إنها احتفالٌ هائل لرجال العصابات وتجار السلاح والدم والأغذية الفاسدة.
فكيف أشتمُ الحرب التي تتقافزُ مثل المجنونة حيث أنام وتزرع سكاكينها في فراشي، ومتفجراتها تحت ترابي، وتلقي رصاصها المصبوب فوق رأسي؟
وماذا ستفعل الحرب لو سمعتني ألعنها؟ وأنتم لا تعرفون كم هي مغرورة ومفتونة بجمالها البشع وشعاراتها الزنانة.
كيف ألعنُ القائد الذي يصوّب السلاح إلى رأسي؟ وكيف أحرق أرض اللغة التي أزرع فيها صبري؟ ولمن أشكو بطش الأقدار إذا كنتُ على محكّ الرحمة بين الموت والموت والموت والموت.
الحرب غرفةٌ جدرانها الأربعة من الموت، والشاعر هو احتمال الحياة الذي يرتعد في المنتصف.
فلماذا أشارك في هذه الأمسية إذا لم تكن الحرب مهرجاناً شعرياً؟
أشارك، لأن إنساناً من غزة سيفرحه أن صوته المخزون بين القذائف استطاع الخروج من حصار الظلمات، وأن هذا الخروج قد يعطيه أملاً.
وأشارك لأن هذا الإنسان الذي سأحمل صوته، هو جواد العقاد.
منذ رأيتُ صورته الوسيمة أول مرة على الفيسبوك، قلت لنفسي: هذه ليست صورة من صباي.. إنها صورة شاعر آخر.
وكلّما وجدتُ منه تعليقاً على واحد من نصوصي، أقول لنفسي: هذه ليست روحي، هي روح شاعر آخر.
وحين كانت تلك الغرفة التي في آخر القاعة مكتبي، ودخل عليي رجلٌ لا أتذكر ملامحه لكنني أتذكر ملامح الكتاب الذي أهداني إياه، حين قال: أنا والد جواد العقاد وقد أوصاني أن أهديك مقام البياض، فقرأته وقلت لنفسي: هذه ليست لغتي.. إنها لغة شاعر آخر.
وحين رأيته يقرأ الشعر في معرض الكتاب الأخير، في زيارته الوحيدة إلى رام الله، قال صديقي، إن صوته مثل صوتك، فقلتُ أبداً : إنه صوت شاعر آخر ..
وأنا هنا اليوم لستُ أنا يا جواد، أنا لأجلك أنت، سأكونُ الشاعر الآخر، وسوف ألوّحُ من هنا لفارس الذي يزور الليلة غزة ويقف في مكانك يراقبني من بعيد..
إلى الذين لم يجربوا كتابة الشعر، سأخبركم أمراً عن لحظة عثور الشاعر على العبارة، عن عينيه كيف تلمعان من فرط النشوة، وعن صدره كيف يمتلئ بهواء الوجود، وقلبه كيف يدقّ احتفالاً على طبول الدنيا
وإلى الطيار الذي يضغط على زر إطلاق الصاروخ من مقعده القذر في طائرة الf16، فيدمر البنايات والمستشفيات والحدائق والمدارس والكنائس والمساجد والأطفال والنساء والرجال.
أريده أن يعرف اليوم بأنه لم يستطع تدمير هذا المجاز.


