“العين” الحلقة الخامسة من “ماء الكلام” يكتبها وليد الخطيب

الحلقة الخامسة
ماء الكلام
العين
بقلم: وليد الخطيب
تكمن أهمية اللغة العربية – إضافة إلى ما ذكرنا في الحلقات السابقة – في ثرائها بالمفردات والمعاني، حيث إنّ عدد مفرداتها يربو على 12 مليون مفردة من دون تكرار، في حين أنّ عدد مفردات أقرب اللغات إليها – اللغة الألمانية – يبلغ 5 مليون مفردة تقريبًا، بينما يبلغ عدد مفردات كل لغة من اللغات الباقية الأكثر تداولًا على التوالي، الإنكليزية 600 ألف كلمة، الفرنسية 150 ألفًا، الروسية 130 ألفًا، الصينية 123 ألفًا تقريبًا، التركية 111 ألفًا… وتكمن أهمّيتها أيضًا في مرونتها، فقد قال المستشرق وليم ورك: “إنّ للعربية لينًا ومرونةً يمكّنانها من التكيّف وفقًا لمقتضيات العصر”.
وقبل أن نبدأ حلقتنا، أتوجّه بالشكر الجزيل إلى كل من يقرأ هذه الزاوية ويتفاعل معها. وأتمنّى أن أكون دائمًا عند حسن ظنّكم، وأقدّم لكم كلّ ما يحمل فائدةً معنًى ومبنًى. فمنذ انطلاق هذه الزاوية في 28/ 01/ 2025، والعدد ما فتئ يرتفع. ونزولًا عند رغبة بعض القرّاء، سأتناول كلمةً “بعينها”، وهذه الكلمة هي “العين”، التي تحمل معانيَ كثيرة تنوف على المئة.
من معاني “العين”: المقلة والنبع والحقيقة والوثوق والدليل والنظير والذات والنفس والحارس والرقيب والجاسوس… والجامع بين هذه المفردات كلّها هو الظهور والتمام والحقيقة والمشاهدة المكتملة والمباشرة… والمقصود الرؤية المكتملة والواضحة. وهذا باعتبار أن العين هي التي ترى ويجب أن ترى بوضوح لكي تحكم على الشيء، فإذا أردتَ أن تمنح شخصًا ما ثقتك فيجب أن ترى منه بوضوح تامّ ما يجعله أهلًا لهذه الثقة، من هنا كانت تسميتها “العين”. وكذا “الحقيقة”، فأنت لا تحكم على شيء من دون أن تراه واضحًا أمامك؛ وهذا ما تشير إليه الآية الكريمة ﴿هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرًا﴾ (يونس: 67).
والإبصار كما هو معروف لا يكون بالعين وحسب، بل بالعقل أيضًا – البصر والبصيرة – والحقائق تُدرك بالعقل. أضف إلى ذلك، هل يمكن أن يقدّم إنسان دليلًا على أمر ما من دون أن يكون متأكدًا ممّا يقول ومن دون أن يكون ما يؤكّده واضحًا وتامًّا ومكتملًا ومباشرًا أمامه؟
طبعًا، لا يسعنا أن نشرح ما ورد أعلاه كله، لذا أشرنا إلى ما يربط معنى “العين” بالمعاني الواردة، وشرحنا المعنى العام، واكتفينا بشرح بعض المفردات ليتسنّى للقارئ الكريم التحليل والتعليل…
بناء على ما تقدّم، سنقتبس ثلاث أبيات من قصيدة مطوّلة لبهاء الدين أحمد بن علي بن عبد الكافي السبكي أبياتًا تبيّن بعض معاني العين:
هنيئًا قد أقرّ الله عيني/ فلا رمتِ العدا أهلي بعيني
وينصب بينهم قسطاس حقّ/ خلت من كل تطفيف وعينِ
جمال الدين، فضلك ليس يحصى/ فدونك قطرة من سحب عينِ
أمّا معنى “العين” المقصود في كل بيت، فهو على التوالي: المقلة، الحسد، عين الميزان، المطر.
وقُضِيَ الأمرُ الذي فيه تستفتون.
الوليد


