التحالف الرباعي.. هل يرسم خارطة جديدة للمنطقة؟

ديمه الفاعوري – الأردن
في ظل التحولات الجيوسياسية التي تشهدها المنطقة وتغير المعادلات وفق موازين القوى، تبرز مبادرة تشكيل تحالف رباعي يضم العراق، تركيا، سوريا، والأردن كخطوة تتجاوز البعد التكتيكي إلى أفق استراتيجي أوسع.
وهذا التحالف، المتوقع الإعلان عنه رسميًا بعد القمة العربية المرتقبة في بغداد، يعكس تحولات عميقة في طبيعة العلاقات بين دول الإقليم، ويفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التعاون الإقليمي في مواجهة واقع متغير تحكمه التحديات الأمنية والاقتصادية والسياسية.
منطقة عند مفترق طرق
إن المنطقة اليوم تقف عند مفترق طرق، حيث يتداخل الصراع الإقليمي مع الأجندات الدولية، وتزداد الحاجة إلى صيغ تعاون جديدة تعيد ترتيب الأوراق في ظل مشهد معقد. فـ “الإرهاب، الأمن الحدودي، أزمات اللاجئين، والتجاذبات السياسية بين القوى الإقليمية” كلها عوامل تفرض على الدول الأربع إعادة النظر في مقارباتها التقليدية، بحثًا عن حلول تضمن الحد الأدنى من الاستقرار في بيئة غير مستقرة بطبيعتها.
تحديات التحالف الرباعي
لعل التحدي الأكبر الذي يواجه هذا التحالف يتمثل في إدارة التباينات بين أعضائه:
تركيا تنظر إليه من زاوية تعزيز نفوذها في المنطقة.
العراق يسعى إلى ضمان عدم تحوله إلى أداة لصالح طرف على حساب آخر.
الأردن يهدف إلى الحفاظ على أمنه واستقراره دون الانجرار إلى تحالفات تفرض عليه التزامات أمنية وسياسية قد لا تتناسب مع نهجه المتوازن.
بالنسبة للأردن، فإن الانخراط في هذا التحالف ليس مجرد خيار، بل ضرورة تفرضها معطيات الجغرافيا والاقتصاد والأمن.
المكاسب الأمنية والاقتصادية للأردن
على المستوى الأمني: يتيح له التحالف فرصة لتعزيز قدراته الدفاعية عبر تبادل المعلومات الاستخباراتية وتنسيق الجهود في ضبط الحدود، خاصة وأن التهديدات الأمنية العابرة للحدود لا يمكن مواجهتها إلا من خلال تعاون إقليمي فاعل.
على الصعيد الاقتصادي: قد يفتح هذا التحالف فرصًا جديدة لتعزيز التبادل التجاري والاستثماري مع دول المنطقة، خاصة في ظل الأزمات الاقتصادية التي تعاني منها جميع الدول الأعضاء.
التحالف بين الاستقرار والتحديات
لكن، ورغم هذه الفرص، فإن الأردن يواجه تحديات كبيرة، أبرزها كيفية تحقيق التوازن بين مصالحه الوطنية والتزامات التحالف، لا سيما إذا ما ظهرت خلافات بين الدول الأعضاء، أو حاول أحد الأطراف فرض أجندته الخاصة. فالأردن، الذي لطالما تبنى سياسة الحياد الإيجابي، لن يكون مستعدًا للدخول في صراعات لا تعنيه، بل سيحرص على أن يكون هذا التحالف وسيلة لتعزيز الاستقرار لا لتكريس الانقسامات.
العراق بين النفوذ الإقليمي والتوازنات السياسية
أما العراق، الذي يستضيف القمة المنتظرة، فيجد نفسه في موقع صعب، فهو يسعى لتعزيز مكانته كلاعب إقليمي، لكنه في ذات الوقت يخشى أن يتحول التحالف إلى أداة في يد طرف إقليمي معين، خصوصًا مع النفوذ التركي المتزايد في الشمال العراقي.
ورغم ترحيب نواب العراق بأهمية مشاركة بلادهم في التحالفات الاستراتيجية الدولية، إلا أن هذه الخطوة لا تلغي المخاوف من أن تصبح بغداد مجرد ساحة نفوذ أخرى للقوى الإقليمية المتصارعة.
تركيا.. الطموح الإقليمي والملف الكردي
أما تركيا، التي تسعى للعب دور محوري في هذا التحالف، فإنها ترى فيه فرصة لتعزيز نفوذها في العراق وسوريا، خصوصًا في ظل تعقيدات الملف الكردي وصراعها المستمر مع التنظيمات الكردية المسلحة.
لكن السؤال المطروح: هل ستقبل بغداد ودمشق بأن تكون أنقرة هي القائد الفعلي لهذا التحالف، أم أن مبدأ الشراكة سيكون هو الأساس؟
سوريا.. بين الحذر والانخراط التدريجي
أما سوريا، التي تعاني من تداعيات حرب استمرت لأكثر من عقد، فتنظر إلى هذا التحالف بحذر. فهي، وإن استعادت جزءًا من علاقاتها الإقليمية، لا تريد الدخول في ترتيبات قد تفرض عليها التزامات لا تتماشى مع أولوياتها الداخلية.
ولكن في المقابل، فإن التعاون الأمني بين دمشق وعمان، والذي تُرجم مؤخرًا باتفاقية أمن الحدود، قد يكون بوابة لانخراط سوري أوسع في التحالف، خاصة إذا ما قدمت الدول الأعضاء ضمانات بعدم استغلال التحالف لتحقيق مكاسب سياسية على حساب الدولة السورية.
تحالف تكتيكي أم مشروع إقليمي مستدام؟
السؤال الأهم الذي يفرض نفسه: هل سيكون هذا التحالف مجرد رد فعل على تحديات آنية، أم أنه سيشكل نواة لمشروع إقليمي مستدام؟
إن التحالف الرباعي يمثل فرصة لدول المنطقة لرسم معادلة جديدة في العلاقات الإقليمية، لكن نجاحه لن يكون سهلًا، بل يتطلب رؤية استراتيجية.


