ثلاثة أيتام يحاولون النجاة…

ملاك خالد ابو شكيان-غزة
في منزلٍ يسكنه الصمت أكثر من الكلام، نعيش مع ثلاثة أطفال أيتام فقدوا والدهم ووالدتهم في عمرٍ مبكر.
لم تكن خسارتهم عادية، بل جاءت كالصاعقة، في لحظة لم يكن أحد مستعدًا لها. في ساعات الفجر الأولى، وبينما كانوا نيامًا، سقط صاروخ من طائرات الاحتلال الإسرائيلي الغاشم على منزلهم.
استيقظوا على صوت الانفجار، على رائحة الرماد، وعلى مشهدٍ لا يُنسى: والدتهم ووالدهم وقد فارقوا الحياة أمام أعينهم الصغيرة.
منذ تلك اللحظة، تغيّر كل شيء. لم يعد هناك من يروي القصص قبل النوم، أو من يُشعرهم أن العالم مكان آمن. غاب الحنان، وغاب الأمان، وبقي الخوف والذهول مرافقًا لهم في كل يوم.
رغم أننا نبذل كل ما بوسعنا لنوفّر لهم احتياجاتهم الأساسية: المأكل، الملبس، التعليم، والرعاية اليومية، ونمنحهم الحب والاهتمام قدر المستطاع، إلا أن الحقيقة المؤلمة تبقى أن لا شيء يعوّضهم عن دفء العائلة التي فقدوها.
غياب الأب والأم معًا ترك في داخلهم فراغًا لا يُملأ بسهولة، وجرحًا نفسيًا يبدو أعمق من أعمارهم الصغيرة.
أحيانًا نراهم يحدقون في السقف بصمت، أو يتساءلون إن كان هذا الفقد سيستمر طوال حياتهم. يعيشون بين ذكريات باهتة وآمالٍ مربكة، وهم يتعلّمون مبكرًا كيف يخفون الألم خلف ابتسامة.
نسمع أحدهم يُحدّث صورتهم، أو يُمسك بلعبته القديمة وكأنها وسيلة تواصل مع من رحلوا. يتشبثون بأشياء بسيطة، وكأنها آخر خيط يربطهم بمن كانوا كل الحياة.
هؤلاء الأطفال ليسوا وحدهم؛ ففي غزة، المئات بل الآلاف من الأطفال فقدوا آباءهم وأمهاتهم نتيجة الحروب المستمرة.
حياة اليتيم هنا لا تشبه غيرها، فالفقر، والخوف، والجوع، وغياب الأمان، يجعلون الحياة أشدّ قسوة.
الأيتام في غزة لا يحتاجون فقط إلى طعام وكساء، بل إلى حضنٍ دافئ، وبيئةٍ تحمي براءتهم، وتمنحهم أملًا.
نكتب عنهم اليوم لأنهم يستحقون أن يُروا، أن يُحتضنوا، وأن لا يُتركوا وحدهم في وجه هذا العالم القاسي.
لا يطلبون الكثير، فقط لمسة إنسانية تُعيد إليهم شيئًا من التوازن، وتمنحهم فرصة جديدة للحياة.


