إسماعيل وفلسطين..واستمرار الحادثة 67 !

بقلم: فهد الهندال- أديب وناقد كويتي
لم يكن إسماعيل فهد إسماعيل في ملف الحادثة 67 يكتب رواية عن جريمة قتل، بل كان يعيد صياغة سؤال التاريخ: من القاتل ومن الضحية.
البطل، خبّاز فلسطيني بسيط، يتحول في التحقيق إلى صورة تختصر حال الأمة. التهمة جاهزة، والمذياع في الخلفية يكرر أخبار الهزيمة العربية. ليست المحاكمة عن جثة ودم، بل عن هوية كاملة، وكأن الفلسطيني متهم بالوجود ذاته، كأن “الذنب هو كونه فلسطينيًا”. هنا تتحول قاعة التحقيق إلى استعارة لوضع عربي أوسع، الضحية دائمًا على كرسي الاتهام، والجلاد خارج القفص.
اختار إسماعيل أن يبني الرواية على خطين متداخلين، الاستجواب الحاضر، والاسترجاع الماضي. بهذه التقنية يكشف أن التهمة ليست فردية بل ممتدة، وأن المحقق ليس مجرد شخص، بل هو التاريخ بسلطته العمياء. كل سؤال يحمل وراءه خيانة أكبر، وكل صمت يضاعف العذاب. ومع ذلك، يرفض البطل أن يعترف.
“استمرار الرفض هو استمرار التعذيب”، جملة تصف ليس حاله فقط، بل حال فلسطين بأسرها: الصمود هو عذاب طويل لكنه الطريق الوحيد للبقاء.
حين يعترف القاتل الحقيقي تحت التعذيب، لا يبرَّأ الخبّاز تمامًا، بل يظل صراخه يتردد:
“أنا لم أكذب.. القاتل هو الذي يكذب.”
هنا المفارقة، حتى الحقيقة حين تظهر، تبقى مشوهة، لأن السلطة ــ سلطة التاريخ والمهزومين ــ لا تبحث عن الحقيقة، بل عن ضحية تُعلّق على جدار الهزيمة. ليست الحادثة مجرد جريمة، بل استعارة لهزيمة 1967 نفسها، حين ألصقت التهمة بالشعوب لا بالأنظمة، وبالضحايا لا بالجلادين.
ليس المذياع جهازًا في خلفية التحقيق، بل هو صوت التاريخ وهو يُعيد صياغة الأكاذيب في وعي الجماهير. فالخباز رمز الإنسان البسيط، الذي يحيا ليعجن خبز الحياة، لكنه يجد نفسه مطحونًا في أفران السياسة والتاريخ.
آمن إسماعيل أن فلسطين ليست موضوعا خارجيا، بل وجع داخلي. جعل القارئ شريكًا في التحقيق، شاهداً على ظلم التاريخ.
رحل إسماعيل فهد إسماعيل، لكن صوته لم يرحل. ظلّت فلسطين في كتاباته وجعًا لا يندمل، وذاكرةً تُشهر في وجه النسيان. لم يكتب عنها كقضية عابرة، بل كقدر يخصه، كأنها جزء من دمه وكيانه.


