غزّة لا تنام

بقلم: د. عماد فغالي-ناقد لبناني
غزةُ لا تنامُ قبل ممارسةِ الحبِّ مع الشواطئ
يعانقُ الموجُ قلبها
ويكبر الحبُّ موجةً موجة..
قبل اكتمالِ الموت
قبل أن تأتي الحرب
غزةُ تشتعلُ بالحياةِ ولا تحترق
يسقطُ بارود الأرضِ عن أسوارِها
ولا تموت،
تحضن الأطفالَ والبيوت
تنادي الله: خذني في عينيكَ
احرس موتي باسمِكَ الكبير؛
كي لا يظنَّ الطغاةُ أنني وحيدةٌ لحظةَ سقوطِ الإنسان وموتِ العروبة.
فالآن الآن، دثِّرني في قلبكَ يا الله
ولتسقط العروش، كلُّ العروش.
جواد العقّاد
غزّةُ جواد العقّاد، كينونته اللا تنام!!
غزّةُ المرأة العاشقة، سيّدة غزّة، يا عشقَ البحرِ الموسومِ بالحياة، “قبل اكتمال الموت”.
غزّةُ العاشقة تشتعلُ حياةً، تكبرُ حبًّا، لا تحترقُ لا تموت… في موجات حبّها ممارستُه مع الشواطئ… ترميها واحدًا واحدًا، في حميم التصاقها الدؤوب بالبارود بسقوط إنسانٍ وموتِ العروبة…
غزّةُ اللا تحترقُ تتحرّقُ إلى الله، تناديه، تعرف الطريقَ إليه معبّدًا “بالأطفال بالبيوت”، محفوفٌ بِ “احرس موتي باسمِكَ الكبير؛”…غزّةُ ادّثري… دثّرها يا الله في قلبكَ فتسقط كلّ العروش، يسقطُ الكلّ إلاّها.. تلك العروس الإلهة، في ميتولوجيا الجمال، في الاسم الكبير…
غزّةُ عشقُ الله الأزليّ، معها سمفونيّةُ الأبد، على أنغام حُماة القلب الكسير، طغاةٌ تهوي تيجانُهم في مطامير الترابِ الطاهر يُسحقون!!
“قبل أن تأتي الحرب”، غزّةُ في فستانها الأبيض، في موكبِ الفرح ينشده الأطفالُ بأجسادهم الحمراء، وتأويه البيوتُ النائحة على بنيها… تعال يا الله خذني إلى عينيكَ أسكنهما مدى الأبد. تعالَ يا الله “كي لا يظنَّ الطغاةُ أنني وحيدةٌ”… كي لا يظنّوا لحظةً أنّكَ لا تقفُ إليّ. على العكس، كي يدركوا أنّكَ تنصرني، وأنّي معكَ لا أموت…
قصيدةٌ تبعثُ في رمزيّتها إلى انبعاث الحياة الدائمة… الموتُ فيها حركةٌ قياميّة… غزّةُ في مفهوم الشاعر السرّياليّ تسكن في عيني الله الحارس موتَها، فتنهضُ قائمةً في حركةٍ واعية “تحضن الأطفال والبيوت… ولتسقط العروش… كلّ العروش”!
السياقُ النصًي امتدادُ عنوان “غزّةُ لا تنام”. في المفهوم الإسكاتولوجيّ، حيثُ الموتُ رقاد، يرفضُ لا وعي الشاعر نومَها اليحبو على الجمود… وإن يقصد في مكانٍ انبعاثًا… لا تنام غزّةُ ولا يموت أبناؤها… هذا يقينُ الشاعر وهذا إيمانه…
غزّةُ العاشقة، عروس الشاعر، أكبرُ من وطن، هي كيانٌ في عقل الشاعر الباطنيّ، تروح فيه حتى تكونَ كيانَه… هذا في كلّ ما وضعه الشاعر على لسان غزّته، يتكلّم بلسانها حالُه… جواد العقّاد الباقي في غزّةَ يؤمنُ عيشًا أنّ العيشَ فيها هويّة!!


