فلسطين تضيء كتارا بثلاث روايات… إنجاز أدبي يرسّخ الحضور الفلسطيني في السرد العربي

فلسطين تضيء كتارا بثلاث روايات… إنجاز أدبي يرسّخ الحضور الفلسطيني في السرد العربي
اليمامة الجديدة – متابعة
حقّقت فلسطين إنجازاً أدبياً جديداً يضاف إلى سجلها الثقافي الزاخر بالمبدعين، وذلك بفوز ثلاثة كتّاب فلسطينيين بجائزة “كتارا” للرواية العربية في دورتها الحادية عشرة، التي أُعلن عن نتائجها مساء الخميس، في احتفال كبير احتضنته دار الأوبرا بالعاصمة القطرية الدوحة.
هذا التتويج الفلسطيني الثلاثي يعكس عمق الحضور الإبداعي الفلسطيني في المشهد العربي، رغم ما يعيشه الفلسطيني من محنة الاحتلال والحصار، ليؤكد أن الكلمة الفلسطينية لا تزال تقاوم وتضيء وتنتصر.
ففي فئة الرواية المنشورة، فاز الروائي محمد جبعيتي عن روايته “الطاهي الذي التهم قلبه”، الصادرة عن منشورات المتوسط في إيطاليا، إلى جانب الروائية رولا غانم عن روايتها “تنهيدة حرية”, الصادرة عن دار ببلومانيا في القاهرة.
أما في فئة الرواية غير المنشورة، ففازت الكاتبة الفلسطينية مريم قوش، المحاصرة في قطاع غزة، عن مخطوط روايتها “حلم على هدب الجليل”.

جبعيتي.. التاريخ الفلسطيني في طبقٍ من الذاكرة
يقدّم محمد جبعيتي في روايته الفائزة عملاً سردياً فريداً يمزج فيه بين الذاكرة الفلسطينية والطعام بوصفه مكوّناً من مكونات الهوية الثقافية.
من خلال شخصية “جمال”، الطاهي الذي يحمل فلسفة خاصة للطعام، يعيد جبعيتي رسم ملامح فلسطين عبر الحكاية والمذاق، بدءاً من يافا وجدّته التي هجّرها الاحتلال عام 1948، وصولاً إلى انتفاضات الشعب الفلسطيني وهبّاته المتعاقبة، ليغدو الطعام في الرواية مرآةً للتاريخ الفلسطيني ووجعه، ولذةً مغمّسة بالحنين والمقاومة.

رولا غانم.. تنهيدة حرية في وجه القهر المزدوج
أما الروائية رولا غانم، فترسم في “تنهيدة حرية” بانوراما شاسعة لمعاناة المرأة الفلسطينية، التي تقاوم الاحتلال والمجتمع الذكوري في آنٍ واحد.
الرواية تغوص في تفاصيل القهر اليومي، من الفقر والتهميش إلى الزواج القسري والعنف الأسري، لتعيد طرح سؤال الحرية والعدالة من منظورٍ إنسانيّ مؤلم وواقعيّ.
بأسلوبها الجريء، تكشف غانم هشاشة البنية الاجتماعية في ظلّ الاحتلال، وتؤكد أنّ نكبة المرأة الفلسطينية لا تقلّ فداحة عن نكبة الوطن، فكلاهما جرح ممتد في الجسد الفلسطيني عبر الأجيال.

مريم قوش.. صوتٌ من تحت الحصار
من قلب غزة المحاصرة، كتبت مريم قوش روايتها “حلم على هدب الجليل”، فكان صوتها شهادة على صمود المبدع الفلسطيني في وجه العزلة والموت اليومي.
رغم انقطاع الكهرباء وغياب الأمان، نجحت قوش في أن تضع اسمها ضمن أبرز الأصوات الجديدة في الرواية العربية، لتُتوَّج بالجائزة عن فئة الرواية غير المنشورة، في تأكيدٍ على أن الإبداع الفلسطيني لا يعرف الحصار، وأنّ الكتابة لا تُهزم مهما كانت القيود.
جائزة كتارا… فضاء عربي للثقافة والإبداع
إلى جانب الأسماء الفلسطينية الثلاثة، فاز في فئة الروايات المنشورة كلّ من اليمني حميد الرقيمي عن روايته “عمى الذاكرة”.
وفي فئة الروايات غير المنشورة، فاز المصري أحمد صابر حسين عن مخطوط “يافي”, والعراقي سعد محمد عن مخطوط “ظل الدائرة”.
وقد بلغت قيمة كل جائزة ثلاثين ألف دولار أميركي، مع ترجمة الأعمال الفائزة إلى اللغة الإنجليزية.
كما شهدت الجائزة فوز ثلاثة باحثين في فئة الدراسات النقدية، وهم: الأردني سامي القضاة، والمغربي عبد الرزاق المصباحي، والمصري محمد مشرف خضر، إضافة إلى تتويج عدد من الكتّاب في فئات رواية الفتيان والرواية التاريخية غير المنشورة والرواية القطرية المنشورة.
نحو آفاقٍ جديدة للرواية العربية
وخلال الحفل، أعلن المدير العام للمؤسسة العامة للحي الثقافي “كتارا” خالد السليطي عن إطلاق جائزة كتارا الدولية المخصصة للروايات المكتوبة باللغات الأجنبية (الإنجليزية، الفرنسية، الإسبانية)، بما يعزز التبادل الثقافي ويمنح الرواية العربية أفقاً عالمياً جديداً.
كما أُطلق مشروع “الرواية تجمعنا” لتوأمة الكتّاب العرب والقطريين، إلى جانب مبادرة تحويل الروايات غير المنشورة إلى أفلام باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، وإطلاق مسابقة كتارا للرواية الشبابية الخاصة بطلبة الجامعات في الوطن العربي.
كلمة اليمامة الجديدة
إنّ هذا الفوز الفلسطيني الثلاثي في كتارا هو فعل مقاومة ثقافية بامتياز، يعبّر عن إصرار الكاتب الفلسطيني على أن يكون شاهداً وسارداً في زمنٍ يريد محو الذاكرة.
فمن يافا إلى غزة، ومن النكبة إلى اليوم، لا تزال الرواية الفلسطينية تكتب بالدمّ والحلم معاً، لتقول للعالم: نحن هنا… بالكلمة نحيا، وبالخيال ننتصر.


