المناضل في المعركة: بين الحرب والهوية

المناضل في المعركة: بين الحرب والهوية
بقلم: لبنى ديب – غزة
- تحرير فريق اليمامة
أعتقد أن السبب وراء الكثير من السعادة القليلة هو التعامل مع الحياة باليقين. أنت على يقين أنك لست سعيدًا اليوم، فلا تجاهد لتثبت عكس هذا. أنت تعلم أن مهاراتك وقدراتك عادية، فمحاولاتك تتمحور نحو تطويرها أو تعزيزها إن كانت موجودة. ولا تلُم نفسك على أخطائك، لأنك إنسان الخطيئة ولست عبدًا للكمال.
على الورقة، أجد نفسي حائرة أمام النص القادم. هل يجب أن يحتضن النص مشاعري؟ أفكر… لا أعتقد أن أحدًا يهتم بمشاعرنا المكتوبة. الحقيقة أنني أركض وراء نص باهت المشاعر، كبير القيمة المعلوماتية.
تسألني والدتي: ما هو تعريف الحرب؟ أجيب: “هجوم مسلح”. لماذا لم أستخدم تعريفات القوانين الدولية، تلك التعريفات التي لم أحفظها طيلة السنوات السبع في دراستي للقانون؟
الحرب: “صراع بين طرفين يستخدم كل منهما أسلحة مادية أو غير مادية في سبيل تحقيق الأهداف والنصر على الطرف الآخر”.
المضحك أن هذا أيضًا ليس تعريفًا من كتب القانون، بل هو تعريفٌ من كتاب التاريخ للمرحلة الثانوية في فلسطين.
الحرب، يا عزيزي القارئ، مفهوم تحكمه التجربة. فواقعها يجردك من الحكمة لتجد نفسك أمام عُري الأفكار المتصارعة. إن الحرب جمادٌ تحركه روح الظلم والاستبداد السياسي، ولكن ما هي المصلحة في تربية جنودٍ يحاربون من أجل رواية غير التي اعتدنا عليها؟ فنحن نعلم أن الجيش تشكله الدولة المستقلة ترويجًا للهيبة ومن أجل التصدي لأي تحرش يمس كيانها، تعبيرًا عن الولاء الأخلاقي. أما هنا، فلا تجد الولاء الذي ستبني عليه الدولة، ولا حتى الأخلاق…
تولد الأفكار الجديدة ويكون مخاضها صراعك الدائم مع الهواجس الاجتماعية والفلسفية حولك. إن تشتتك يخلق إنسانًا مجهول الهوية. فالهوية ليست اسمًا وتاريخ ميلاد، بل معتقد وفكر ورأي وحرية ومذهب.
ماذا خلقت منك الحرب؟
هل فكرت يومًا بنفسك الحالمة التي طمستها الإبادة؟
هل فكرت بأحلامك التي لا تزال تزورك وتطردها بسبب شعورك العاجز عن تحقيقها؟
هل تركت المفكر الذي كان يقودك في غرفتك القديمة أمام المكتب المليء بالرفوف؟
ستكون سبب ضياعك إذا اعتقدت أن نجاتك هي انتهاء الحرب.
الحرب لن تنتهي قريبًا!
هل يغضبك هذا الخبر الواقعي؟ لماذا نستمر بالكذب على أنفسنا دومًا؟ لنفكر باستخدام الحقائق؛ ربما ستصنع منا أشخاصًا جددًا، أشخاصًا أكثر صدقًا.
إذا وصلت إلى هذه النقطة، ستسأل نفسك عن سبب العنوان: أين المغزى؟
الإنسان يضع نفسه قيدًا للعناوين والأغلفة والجدران. يعني أن محاولتك البحث عن معنى للعنوان بين السطور هو قيدٌ بذاته، أيها القارئ.
فكيف يكون المناضل؟
إن النضال جوهرٌ أساسي لتحقيق الهدف، والهدف طريقٌ طويل تقوده العزيمة والثبات. سلاح المناضل عقله الخالي من شوائب الأفكار.
تريد الانتصار؟ فكّر بملحمية الوصول قبل الوصول. المرض بالاشتباه، ارتباك الرأي، وكثرة التساؤلات الخالية من التجربة، كلها عقبات. فالتجربة تضع الإجابة الكاملة أمامك وعلى طبقٍ من ذهب.
كلنا متفاوتون ونناضل من أجل التخلص من مرضنا النفسي حتى في أصعب الظروف. فلا تجعل من الحرب حجةً تقيدك عن مشروعك النضالي. قُد طريقك وكن شعلتك القادمة.
إليك أيها المناضل في وسط المعركة:
لا تستجب للتفاوض البائس على أحلامك، وحقق ما هو مستحيل. كن مصرًا على فرض شروطك على طاولة النقاش. كثيرٌ من الجهد أمام المعركة التي وضعت نفسك داخلها. ألم تكن على يقينٍ من قدراتك؟ لذلك، لا تخضع للهزيمة من حولك.


