التهميش الثقافي في الإعلام العربي: خيانة للفكر والمبدعين

التهميش الثقافي في الإعلام العربي: خيانة للفكر والمبدعين
هيئة تحرير صحيفة اليمامة الجديدة
في الوقت الذي يعاني فيه العالم العربي من أزماتٍ كبيرة على الأصعدة كافة، لا يزال الإعلام العربي يعاني من أزمة عميقة تتمثل في التهميش الثقافي، رغم الانفتاح الرقمي والتطورات التكنولوجية التي غيرت وجه الإعلام بشكل جذري، فإن هذا التهميش بات أكثر وضوحًا، حيث يتم تجاهل المبدعين و الكتاب و الفنانين الذين يسهمون في بناء الفكر وتطوير الثقافة العربية، لصالح المحتوى الاستهلاكي الذي لا يخدم قضايا الأمة أو يجسد هويتها.
إن الإعلام، في أبسط تعريفاته، هو مرآة المجتمع ومؤشر تطوره. ولكن في واقعنا الحالي، أصبح الإعلام العربي أداة تسويق تجاري تروج لثقافة الاستهلاك والترفيه الفارغ. بينما المحتوى الثقافي والفكري الذي يحمل رؤى جديدة ويعالج قضايا مجتمعية وسياسية حيوية لا يحظى بالاهتمام الكافي، بل يُستبعد تمامًا من المساحات الإعلامية الرئيسية. في الوقت ذاته، نجد أن برامج الترفيه السطحي والتغطيات المبتذلة هي التي تتصدر شاشات التلفزيون وواجهة الصحف والمواقع الإلكترونية.
هل أصبح الإعلام العربي رهينة للمال والشهرة؟
إن الإجابة عن هذا السؤال، للأسف، أصبحت واضحة. لقد اختار الإعلام العربي – في كثير من الأحيان – الربح السريع على حساب الرسالة الثقافية. بينما يُحتفل بمحتوى يفتقر إلى العمق الفكري ولا يحمل أي قيمة حقيقية، يتم إقصاء الأصوات النقدية و المحتوى الثقافي الجاد الذي يمكن أن يساهم في تحفيز الفكر النقدي والبناء المجتمعي.
إن البرامج التافهة التي تُروج للترندات السريعة لا تقتصر على تضييع وقت المشاهدين فحسب، بل تساهم بشكل مباشر في تدمير الذوق العام و تغريب الهوية الثقافية. الإعلام الذي يفترض أن يكون أداة تحفيز وإلهام، أصبح في كثير من الأحيان وسيلة لتكرار الأفكار السطحية وتزييف الواقع.
المحتوى الثقافي في الإعلام: غياب تام
من المؤسف أن نشهد تراجعًا كبيرًا في مساحة الكتابة النقدية و التحليل الجاد في الإعلام العربي. الصحف والمجلات التي كان من المفترض أن تكون منبرًا للفكر العميق و التحليل المستنير أصبحت، للأسف، أسيرة لسياسات تجارية تهدف فقط إلى جذب أكبر عدد من القراء دون أي اهتمام حقيقي بالمحتوى. أين هي الأدوات النقدية التي كانت تساهم في تشكيل الفكر العربي؟ أين هو التحليل السياسي و الاجتماعي الذي يساعد في فهم الواقع المعقد؟ أين هو الخطاب الثقافي الذي يطرح حلولًا للمشاكل الحقيقية التي يعاني منها المجتمع؟
الإعلام مسؤول عن تشكيل الوعي الجمعي
إذا كانت وسائل الإعلام هي الأداة التي تشكل الوعي الجمعي للأمة، فإن ما يحدث اليوم يعد خيانة لرسالتها الأساسية. من خلال الترويج للمحتوى الفارغ والتسويق للأفكار التي لا تقدم قيمة حقيقية، نحن نساهم في تضييق الأفق الفكري وتدني الذائقة العامة. الإعلام لا يجب أن يكون مجرد وسيلة لجذب الإعلانات والربح، بل يجب أن يكون منصة للوعي الثقافي و التحليل الفكري.
الحاجة إلى تغيير جذري
لا يمكن للإعلام العربي أن يستمر في هذا الاتجاه المقلق. نحن بحاجة إلى تغيير جذري في طريقة تعاملنا مع الإعلام. يجب أن نعيد التفكير في أولوياتنا وقيمنا، وأن نضع المحتوى الثقافي و الفكري في قلب المشهد الإعلامي. يجب أن يتم منح المساحة الكافية للمحتوى الذي يعكس واقعنا العربي، ويدفعنا للتفكير في المستقبل وتحقيق التغيير الفعلي في مجتمعاتنا.
خاتمة
إن الوقت قد حان لتغيير المسار. يجب على الإعلام العربي أن يستعيد دوره الحقيقي كأداة للتنوير، وأن يعمل على تقديم المحتوى الثقافي الذي يعكس قوة الفكر العربي. يجب أن نطالب جميعًا بإعلام يعكس العمق الثقافي و الوعي الاجتماعي ويبتعد عن السطحية التي تغرقنا فيها التوجهات التجارية.
إن التغيير يبدأ من داخلنا، ونحن في صحيفة اليمامة الجديدة، نؤمن بأن الإعلام يجب أن يكون منبرًا للفكر ونموذجًا للوعي، وأن نكون صوتًا للمبدعين و الحالمين الذين يعبرون عن أمل الأمة وطموحاتها.


