
اتفاق الهدنة الوشيك وطريق النجاة من الفوضى القادمة
كتب وليد العوض من شمال غزة:
أينما يممتَ وجهك هنا في شمال قطاع غزة، سواء في الشوارع المتهالكة أو بقايا البيوت المدمرة، ومن شرفات المنازل المتدلية على أطراف العمارات التي كانت شاهقة ذات يوم، ومن وسط الخيام المهترئة التي مزقتها الرياح وابتلعتها العواصف، ومن على أسرّة المستشفيات التي تعمل بعناد وصبر وتتردد في جنباتها أنات الجرحى، ومن بين المقابر الجماعية التي احتضنت فلذات أكبادنا وكل من نحب…
من بين هذا وذاك، يتابع كل من استطاع النجاة حتى هذه اللحظة من هذه المحرقة المستمرة، التي أزهقت أرواح عشرات الآلاف من الشهداء، نصفهم من النساء والأطفال، ومئة وخمسين ألف جريح، وأكثر من عشرة آلاف ما زالوا تحت الأنقاض، يتابع هؤلاء الأخبار المتواترة عن اقتراب موعد الاتفاق على صفقة تفضي إلى هدنة يتم فيها وقف لإطلاق النار والإفراج عنهم من سجون الموت المنتظر.
الهدنة المنتظرة والخسائر الجسيمة
الهدنة هذه، التي طال انتظارها، ولسان حالهم يقول إنها كان من الممكن الوصول إليها وبذات الشروط المطروحة الآن، ولكن بأقل قدرٍ من الخسائر التي دفعناها هباءً. ومع نشر المسودات المتداولة لاتفاق الهدنة الوشيك، يتبين أن منهج المماطلة والتسويف الذي اعتمد في إدارتها جلب خسائر صافية كان من الممكن تجنبها، فيما لو استمع لصوت العقل في حينه.
هذه الخسائر بصماتها واضحة دون تجنب:
تدمير محافظة الشمال بشكل كلي وتهجير سكانها.
تسوية محافظة رفح بالأرض وتهجير ساكنيها.
أعداد مضاعفة من الشهداء والجرحى والمفقودين.
إن ما هو متداول حالياً من اتفاق سيتم القبول به هو ذاته الذي لم يُقبل في حينه. وهنا، لا أقلل من أهمية وضرورة الموافقة عليه دون تردد، خاصةً وأنني دعوت لذلك في حينه وتعرضت للنقد ووُصفت بوصفات جاهزة من أبطال الكيبوردات والفضائيات، التي تغيب الآن.
الحذر من الفوضى القادمة
أقول ذلك في هذه اللحظات والأنفاس محبوسة بانتظار إعلان الصفقة، لأحذر من مغبة الاستمرار في السير على منهج التسويف والمماطلة والرهان على كسب الوقت لمعالجة قضايانا. كسب الوقت هذا الذي كان وما يزال نتنياهو يريده لتنفيذ مشروعه التدميري لقطاع غزة وتهجير سكانه، وانتزاعه من كونه جزءاً من أراضي الدولة الفلسطينية العتيدة، علاوة على تنفيذ مخطط الضم والاستيطان وحتى التهجير في الضفة.
إن استمرار نهج المماطلة والرهان على تحولات وهمية هنا أو هناك، مع الاعتقاد بإمكانية توفير فرصة جديدة لاستمرار إدارة قطاع غزة كما كان سابقاً، هو وهم. بل على العكس، فإن نتنياهو سيتخذ من أي مماطلة أو فراغ أو فوضى فرصة للعودة مجدداً إلى مشروعه القائم على التدمير الكامل والتهجير الشامل.
ومما أخشاه في هذا السياق أن تعم الفوضى قطاع غزة في الأسابيع الأولى للهدنة، بعد أن يعود الناس إلى بيوتهم ويجدونها مجرد حطام غير صالح للسكن. سيعودون مرة أخرى لنصب الخيام، دون أن يجدوا نظاماً أو جهة ناظمة تضمن عودتهم وتلبي احتياجاتهم، بما يحفظ كرامتهم التي أُهينت خلال 15 شهراً من النزوح.
الطريق الصحيح لتجنب الكارثة
عودة إلى البداية، أقول مرة أخرى: إن الناس تترقب لحظة الإعلان عن الهدنة ولحظة دخولها حيز التنفيذ، وأنا كذلك. لكن يدي على قلبي مما هو قادم من فوضى أخشاها، ونندم جميعاً حين لا ينفع الندم، وتضاف عندها إلى خسائرنا خسارات أخرى.
حتى نتجنب ذلك، أقول دون مواربة إن الطريق الصحيح يتمثل في سرعة الإعلان الواضح بقبول أن تتولى الحكومة الفلسطينية الحالية، كحكومة انتقالية لفترة محددة، مسؤولياتها كافة في قطاع غزة. يجب الابتعاد حالياً عن معزوفة التوافق الوطني والاتفاق الفصائلي، الذي يمكن تحقيقه لاحقاً، مع الإيعاز لطواقمها ومعها كل الشعب الفلسطيني بواجب تحمل العبء الكبير والقيام بواجباتها تجاه الناس الذين دفعوا ألماً ودماً على مدار شهور الحرب الطوال.
13-1-2025