مقالات رئيس التحرير

غزة بين مرارة الواقع ومكر الطروح الدولية

بقلم: جواد العقاد-رئيس تحرير صحيفة اليمامة الجديدة

لا تملك حركة حماس ترف الوقت ولا الخيارات، ولا مساحة واسعة للمناورة. أمام مقترح “ويتكوف” الجديد، تجد نفسها أمام مفترق لا يحوي إلا طريقين: أحدهما مغطى بلغة الهدن والتحسينات الشكلية، والثاني مفتوح على اتساعه للفوضى والدمار. خياران أحلاهما مرّ، وأسوأهما استمرار النزيف بلا نهاية.

غزة اليوم، بكل ما فيها من رماد ومآقي جافة، ليست ملفاً إنسانياً يدار بالحصص التموينية والوعود المجتزأة. هي قلب المشروع الوطني الفلسطيني، وجذر الصراع، وساحة الانكشاف الكلي لفشل العالم، وعبث النظام الرسمي العربي، وخيبة الفلسطيني الممزق بين سلطتين، وشعب محاصر بين براميل النار ولصوص الخبز.

قلتها مراراً: لا حل لغزة خارج الامتداد السياسي الفلسطيني، ولا كيان يمكنه أن يحيا في الظل، أو يفاوض على حافة الانفصال دون أن يفقد شرعيته وقيمته. المعركة الآن ليست فقط مع الاحــتلال، بل مع الجوع والانقسام والاستفراد والخذلان.

شعبنا يُسحق، يُلاحق رغيف الخبز كما لو كان شبحاً، هذا الشعب الذي صمد أكثر من 600 يوماً تحت القصف والركام، لا يستحق أن يُدار بالضغوط والتكتيك السياسي الضيق، بل بخطة وطنية شاملة تعيد تعريف الصراع، وتضع غزة حيث يجب أن تكون: ضمن سياقها الوطني، التحرري، النضالي، الوحدوي.

أي اتفاق يُبرم خارج هذا السياق، هو إعادة إنتاج للهزيمة بلغة أكثر تهذيباً، وأي تهدئة تُفرض دون أفق وطني، هي تسليم موارِب للمخططات التي تطمح إلى تصفية القضية وتحويلها إلى ملفات إغاثية ولوجستية.

المرحلة خطيرة، بل مصيرية. ومن لا يرى ذلك إما أعمى أو يتعامى. المطلوب اليوم من قيادة حمــاس، كما من كل الفصائل، أن تدرك أن الشعب ليس وقود للخطابات، ولا كتلة بشرية قابلة للابتزاز السياسي أو الدولي. المطلوب قرار جريء، ووقفة مع الذات، وعودة إلى المربع الوطني الأول: فلسطين، كل فلسطين، لا غزة وحدها، ولا الضفة وحدها، ولا الشعارات المهترئة التي لا تطعم طفلاً ولا تنقذ جريحاً.

آن الأوان لصرخة فلسطينية شاملة: كفى عبثاً، كفى عزلة، كفى تآكلاً للموقف. آن الأوان للنجدة، ليس فقط من القصــف، بل من العتمة السياسية التي نخرت وعي المرحلة، ومزّقت أولوياتنا، حتى صار الموت خبزاً، والخوف طقسا يومياً، والعجز وجعاً في قلب كل أم وكل شاعر وكل طفل.

الآن، لا بد من الإغاثة. الآن، لا بد من رفع الصوت عالياً: غزة تختنق، ويجب إنقاذها من الجوع… ومن الموت المستمر أيضاً.

زر الذهاب إلى الأعلى