وليد الخطيب في “ماء الكلام”: بين الفجر والانفجار

الحلقة الثانية عشرة
ماء الكلام
بين ضياء الفجر وكشف الفجور والانفجار
بقلم: وليد الخطيب/ لبنان
عن روعة اللغة العربية، قال المستشرق الإيطالي كارلو ألفونسو نلّينو: “اللغة العربية تفوق سائر اللغات رونقًا وغنًى، ويعجز اللسان عن وصف محاسنها”. وقال مواطنه الرسام أندريو لوتّي: “الخطّ العربي سيمفونية متناسقة الأنغام تتجدّد كلّما نظرت إليها”.
الفجر والفجور والانفجار والتفجّر… كلمات ذات معنى واحد وهو الظهور والانكشاف بقوة، وليس مجرد الكثرة فيه.
فأمّا الفجر فهو انبلاج النور وبروزه من عتمة الليل، وأمّا الفجور فهو خروج المرء عن جادّة الصواب وعن الطريق القويم، وهو بهذا ينكشف شرّه الكامن داخله في تصرّف أرعن يبيّن حاله التي هو عليها أصلًا، والانفجار يعني خروج الشيء بقوة، مثل انفجار الماء أو الغضب. والتفجّر هو استمرار الانفجار وتدفّقه في شكل واضح ومتتابع.
إذًا، الأصل المشترك هو الظهور القوي المفاجئ، وليس الكثرة فقط. من هذا المنطلق، سنعرّج على معنى الفجر وأصله اللغوي. فالفجر، والفجور، والانفجار، والتفجّر… كلها ألفاظ يجمعها أصلٌ دلالي واحد، وهو الظهور والانكشاف بقوة، لا مجرد الكثرة. فهذه الكلمات تعبّر عن خروج الشيء من خفائه إلى العلن بطريقة فجئيّة وقوية، سواء كان ذلك في النور، أو في السلوك، أو في الظواهر الطبيعية.
فأمّا الفجر فهو اللحظة التي يخترق فيها النور حجاب الظلام، إيذانًا ببداية يوم جديد، حيث ينكشف ضياء الصباح بعد عتمة الليل. وأمّا الفجور فهو يعكس خروج الإنسان عن جادّة الصواب بوضوح، وكأنّه يكشف ستر الأخلاق ويهتك الحياء، فهو انكشاف للشر وانحراف عن الطريق المستقيم. والانفجار – وزنه انفعال ومعناه المطاوعة – يحمل معنى التدفّق العنيف والمفاجئ، سواء كان ذلك في تفجّر الماء من الصخور، أو انفجار المشاعر والغضب. ثمّ التفجّر – ووزنه “تفعُّل” وهو من صيغ المبالغة أي الكثرة – وهو استمرار هذين التدفّق والانكشاف، حيث يظل الشيء ينطلق بغزارة، كما في قوله تعالى ﴿فانفجرت منه اثنتا عشرة عينًا﴾ (البقرة: 60)، أي أن الماء لم يخرج وحسب، بل تدفّق بقوة واستمرّ في الظهور.
إذًا، الأصل الجامع لهذه الألفاظ ليس مجرد الكثرة، بل القوة في الظهور، والانكشاف المفاجئ الذي يبدّد الخفاء، سواء كان ذلك في الضوء، أو في السلوك، أو في الظواهر الطبيعية.
أليس من الفجور وسوء الخلق وقلّة القيمة وفقدان هويّتنا ألّا نعرف لغتنا؟!
الوليد


