أزمة الطحين والسيولة في غزة: ممارسات مصطنعة تزيد معاناة المواطنين

أزمة الطحين والسيولة في غزة: ممارسات مصطنعة تزيد معاناة المواطنين
هيئة التحرير – صحيفة اليمامة الجديدة
لا تزال غزة، المحاصرة منذ سنوات، تعاني من أزمات متجددة تضع السكان أمام تحديات معيشية خانقة، إذ تتنوع هذه الأزمات بين نقص المواد الأساسية وشح السيولة النقدية، ما يزيد من معاناة المواطنين الذين يكافحون يومياً لتأمين قوت يومهم.
الطحين: سلعة أساسية تحولت إلى أزمة مفتعلة
في الأسابيع الأخيرة، تفاقمت أزمة الطحين في الأسواق بشكل ملحوظ، رغم تواتر الأنباء عن وجود كميات كبيرة مخزنة في مستودعات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، فإن هذه الكميات لا تصل إلى مستحقيها بشكل منتظم.
تاريخ الإنتاج المثبت على أكياس الطحين، والذي يعود إلى الرابع من نوفمبر، يكشف أن الأزمة ليست ناتجة عن نقص فعلي، بل عن سياسات توزيع غير فعالة وممارسات تفتح الباب أمام التهريب والاحتكار. الطحين الذي يجب أن يكون في متناول المستفيدين بات يظهر في الأسواق بأسعار مرتفعة، ما يثير تساؤلات عن دور الوكالة وموظفيها في هذه الأزمة.
هذا الوضع يجعل اللاجئين والمواطنين عموماً في حالة مواجهة مزدوجة: مواجهة الأسعار المرتفعة، ومواجهة احتكار التجار الذين يسيطرون على الأسواق في ظل غياب رقابة فاعلة.
بنك فلسطين وسياسات تقييد السيولة
في مشهد موازٍ لأزمة الطحين، يعيش القطاع أزمة سيولة خانقة، تفاقمت بفعل سياسات مصرفية يبدو أنها تهدف إلى خلق مزيد من الضغط المالي على المواطنين والتجار. بنك فلسطين، أحد أبرز البنوك العاملة في القطاع، أطلق حملة إغلاق حسابات وتقييد التحويلات المالية بذريعة “الحد الشهري للتحويل”.
هذه السياسة أدت إلى شلل في حركة الأموال داخل السوق، ما أتاح مجالاً لظهور احتكار جديد من قبل الحسابات غير المتأثرة بالإغلاق. وكنتيجة مباشرة، ارتفعت العمولات على تكيش الأموال، الأمر الذي زاد من الأعباء المالية على المواطنين وأضعف من قدرتهم الشرائية، في وقت هم في أشد الحاجة إلى السيولة لتلبية احتياجاتهم الأساسية.
أبعاد الأزمة: سياسات متعمدة أم غياب للرقابة؟
إن تحليل المشهد يكشف عن نمط متكرر من الأزمات المفتعلة، حيث تتداخل المصالح بين جهات مسؤولة وأخرى مستفيدة من هذا الوضع.
على صعيد الطحين:
هناك حاجة إلى تحقيق شفاف حول أسباب تعطيل التوزيع العادل، ومحاسبة كل من يثبت تورطه في تهريب الطحين أو استغلال حاجة الناس. كما يجب العمل على وضع آليات واضحة لتوزيع المواد الأساسية تضمن وصولها إلى جميع المستفيدين دون استثناء.
على صعيد السيولة:
يجب إعادة النظر في السياسات المصرفية التي تفرض قيوداً مجحفة على الحوالات المالية، مع التأكيد على دور البنوك في خدمة المجتمع، لا في تعميق أزماته. كما أن الجهات الرقابية مطالبة بفرض إجراءات تحد من ارتفاع العمولات غير المبررة التي تفرضها مكاتب الصرافة.
دعوة إلى التدخل السريع
لا يمكن فصل هذه الأزمات عن الواقع السياسي والاقتصادي العام في القطاع، لكنها في الوقت نفسه تعكس ضعفاً واضحاً في الإدارة والرقابة، وغياباً للعدالة في توزيع الموارد.
المطلوب الآن هو تدخل عاجل على المستويات كافة:
- حوار مع إدارة الأونروا لضمان توزيع الطحين بشكل منظم ومنصف.
- إلزام البنوك بالتراجع عن السياسات التقييدية وتوفير بدائل تخدم المصلحة العامة.
- تعزيز دور الجهات الرقابية لضمان عدم استغلال التجار والمصارف لحاجة المواطنين.
في ظل الأوضاع الصعبة التي يعيشها سكان غزة، لا يمكن القبول بممارسات تزيد من معاناتهم، سواء كانت مقصودة أو نتيجة سوء إدارة. المسؤولية تقع على عاتق الجميع، وكل تأخير في معالجة هذه الأزمات سيؤدي إلى مزيد من التدهور في الحياة اليومية لمليونَي مواطن يعيشون تحت الحصار.