غزة على طاولة الصراع الإقليمي

بقلم: جواد العقَّاد-رئيس تحرير صحيفة اليمامة الجديدة
يصرّ البعض على ربط ما يجري في غزة بما يجري في الإقليم، وكأنّ قضية فلسطين وحرب غزة بخاصة رقم إضافي في سجلّ المناورات الدولية..
شهدنا تصعيداً خطيراً بين إيران وإسرائيل، بين قوتين عسكريتين، بين دولتين تملكان ترسانة الردع وسجلاً حافلاً بالاستعراضات. لكن فلسطين ليست جزءاً من هذا العرض، ولا بنداً في اتفاق نووي، ولا رقماً في معادلة الممرات البحرية، ولا حتى ورقة في المفاوضات الإقليمية. لهذا، لا أربط قضية فلسطين بأي قوة إقليمية أو دولية، إلا بالقدر الذي تفصح عنه التنظيمات ذات التوجهات الخاصة التي لا تمثل الإرادة الشعبية والوطنية العامة. إذ إن اختزال القضية في خطاب محورٍ ما أو في مظلة ضيقة لا يخدم إلا الاحتلال، لأنه يعفي الجميع من المسؤولية ويحوّل فلسطين من قضية شعب وحرية إلى ملف أمني.
وعليه، فانتهاء الحرب في غزة لا يُرهن بإيران، ولا يُرهن بواشنطن، ولا حتى بموسكو أو بكين. ما دام العرب غائبين، والقرار الفلسطيني مُحتجز في يد فصيل واحد لا يعترف بشراكة داخلية حقيقية ولا يخوض مفاوضات وطنية شاملة تنطلق من أولويات إنسانية وسياسية واضحة، فلن ينتهي شيء. لن تتغير الصورة طالما بقيت الحسابات الداخلية فوق دماء الناس.
ما يجري حالياً من تحركات خجولة في ملف المفاوضات بين إسرائيل وحماس، لا يعكس أي نوايا جدية. التصريحات شبه منعدمة، والتسريبات لا تحمل مضموناً سياسياً جوهرياً. كل طرف يتبادل الاتهامات في العلن، ويتبادل الرسائل غير المباشرة في الكواليس. لا أحد يُصارح الناس بالحقيقة: لا وقف إطلاق نار فعلي، ولا خريطة حلول، ولا حتى نية واضحة لإنهاء الكارثة. دون أن نسمع من حماس أي اعتراف بضرورة تغيير نهجها، وإسرائيل، كعادتها، توهم الجميع.. وما بين هذه وتلك، يبقى الشعب الفلسطيني وحيداً، يتيماً، يرمم جراحه بنفسه وينهض كل صباح من تحت الركام.
لكن رغم كل المشهد الأسود، لا نفقد الأمل. ليس لأنّنا نعوّل على الإنسانية، فقد سقطت في أول اختبار لها، بل لأن مصالح الدول تتقاطع، وأحياناً، من فُتات هذا التقاطع، تولد فرص صغيرة قد تُنقذ أرواحاً. فيكفي أن ينظر طرف ما بعين الرحمة لا بعين الصفقات. يكفي أن تصرخ غزة، فيرتد صداها إلى عواصم العالم فتُحرج الصامتين!
في المحصلة نحن بحاجة إلى مراجعة داخلية، مراجعة وطنية تُعيد تعريف الأولويات. آن الأوان لخطاب فلسطيني جامع، لا فصائلي. آن الأوان لمفاوض فلسطيني يمثل الضمير لا التنظيم، ويتحدث باسم الموتى والأحياء، لا باسم الحسابات الحزبية.


