حركة حماس بين الدولة الفلسطينية وتسليم السلاح

بقلم : د.منصور أبو كريم-باحث فلسطيني
من الجيد أنّ تربط حركة حماس قضية تسليم السلاح بالأفق السياسي قيام دولة فلسطينية مستقلة، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، لكن من غير الجيد في الوقت الحالي أنّ تصّر الحركة على التمسك بما تبقى لديها من أسلحة من أجل تبرير استمرار حرب الإبادة الجماعية، ما يعطي للاحتلال الإسرائيلي مزيد من الوقت لقتل وتدمير ما تبقى من غزة وسكانها!
من المعلوم إن المقاومة ليست العمل المسلح فقط، واختصارها في العمل المسلح في ظل الاخلال بموازين القوى وفي ظل وجود إدارة ترامب التي تعطي حكومة الاحتلال كل الدعم السياسي والعسكري للاستمرار في هذا المسلسل العبثي اللا متناهي من القتل والتدمير والتجويع، فمنظمة التحرير الفلسطينية خاضت نضال مسلح في البداية ضد الاحتلال الإسرائيلي، مما ساعدها على تثبيت الهوية السياسية للشعب الفلسطيني، ومن ثم تحولت للنضال السياسي والقانوني والدبلوماسي في الأمم المتحدة والمحافل الدولية، والمقاومة الشعبية السلمية لتجنيب الشعب الفلسطيني ردأت الفعل الإسرائيلية.
ليكن في علم حركة حماس أنّ حزب العمال الكردستاني أعلن تخليه طواعية عن السلاح بعد صراع طويل مع الدولة التركية، وأن أكراد شمال سورية قبلوا الانضمام في الحكومة المركزية في دمشق والانضمام للجيش السوري والتخلي عن فكرة الانفصال مقابل الحفاظ على بعض المكاسب السياسية. وأن حزب الله في لبنان في طريقة للتخلي عن سلاحه بعد أن قبل بشروط وقف اطلاق النار التي تنص على حصر السلاح في يد الدولة واللبنانية، وتنفيذ قرار مجلس الأمن 1701، بعدم التواجد العسكري في جنوب الليطاني، كما يجب أن تدرك الحركة أن العالم لم يعد يقبل بحركات التحرر الوطني ذو الطابع العسكري، فمنذ انهيار الاتحاد السوفيتي وتحول النظام الدولي لنظام القطب الواحد تراجع المد الثوري في العالم، ولم يعد هذا النظام يقبل بفكرة حركات التحرر الوطني التي تنتهج النضال المسلح وسيلة لتحقيق الأهداف السياسية، بل أصبح تركيز معظم حركات التحرر الوطني منصب على المقاومة الشعبية والنضال السلمي والتحشيد الدولي.
من الجيد الآن في ظل هذا الدمار الكبير والتوحش الإسرائيلي، وانتشار مظاهر الفوضى المنظمة التي تهدف إسرائيل من خلالها لإعادة هندسة الواقع السياسي والأمني والديمغرافي في قطاع غزة وباقي الأراضي الفلسطينية من خلال استخدام القوة الغاشمة، أن تعلن حركة حماس استعدادها تسليم سلاحها للسلطة الفلسطينية، بوجود ضمانات دولية وعربية بعد التعرض لقياداتها السياسية والعسكرية، وضمان مشاركتها في بنية النظام السياسي، وعدم اقصائها سياسيًا وإداريًا تمامًا، فهذا الأمر سوف يكون أفضل بكثير لمستقبل الحركة من الرفض العلني دون القدرة على مواجهة تداعيات هذا الرفض على الحركة والشعب الفلسطيني في قطاع غزة!
يجب أن تدرك الحركة أن خياراتها للمناورة لم تعدّ كثيرة، فإدارة ترامب عبر الوسيط ويتكوف تستعد لطرح صفقة شاملة تقوم على فكرة (الكل مقابل الكل)، أي تسليم الرهائن والسلاح والسلطة، مقابل وقف الحرب وانسحاب الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة، وضمان مشاركة الحركة في النظام السياسي الفلسطيني، فعدم الموافقة على هذه الصفقة والمناورة لكسب مزيد من الوقت، يمكن أن يعطي حكومة نتنياهو المتطرفة الفرصة للقضاء على ما تبقى من غزة، وقتل وتدمير ما نجى من هذه الإبادة والجوع، ما يحتم على الحركة تقديم المصالح العليا للشعب الفلسطيني، بما يضمن وقف حرب الإبادة الجماعية والانضمام للنظام السياسي كحزب سياسي مدني، والاستفادة من الحراك الدولي الذي تقوده فرنسا والمملكة العربية السعودية لترميم مسار التسوية وقيام الدولة الفلسطينية.


