غزة والأحداث الإنسانية الصعبة في التّاريخ الحديث

بقلم: وسام المقيد – غزة
الإبادة الجماعية في غزة هي الحدث الأصعب، الذي لا بد أن يتوقّف عنده الإعلام المُضلّل ويتناوله بجدّية ومسؤولية. فمنذ السابع من أكتوبر، يشهد قطاع غزة حرب إبادة وتطهير عرقي ضد مليوني إنسان مدني أعزل. فقد قامت حركة حماس بمغامرة السابع من أكتوبر دون اكتراث للمدنيين، ولا لتداعيات هذه الحرب والإبادة التي يتعرضون لها، وضمن آلة إعلامية جعلت من الضحية جلادًا، ومن بعض عمليات المقاومة الفردية عمليات “أسطورية”، لتسهيل عملية الإبادة، وتضخيم تلك العمليات، ووصفها بالأحداث الأمنية الصعبة ضد جنود الجيش الإسرائيلي العاملين على أرض غزة.
لكن الحقيقة، ومن باب توضيحها، أن الأحداث الأمنية الصعبة التي وقعت في غزة لم تكن ضد الجيش الإسرائيلي وحده، بل ضد مليوني إنسان يعيشون في بقعة جغرافية معزولة عن العالم الخارجي، قُطعت عنها كافة الخدمات منذ الأيام الأولى للحرب، من ماء وكهرباء وإنترنت، والبنية التحتية التي كانت تخدم المدنيين.
لقد جعلت حماس من هذه البقعة ومن المدنيين العُزّل دروعًا بشرية ليحتموا بهم، فغدت غزة غابةً يفترس فيها القوي الضعيف، وأصبحت الميليشيات والتجار الفجّار من أصحاب الربا والعمولات العالية – التي وصلت إلى 50% – ينهشون جيوب المدنيين والفقراء والمعدمين.
ولم يكتف القتل المباشر بحق الغزيين من خلال الطيران الإسرائيلي والعمليات العسكرية، بل أصبحت كمائن المساعدات الإغاثية مصائد للموت، يلقى فيها الجوعى حتفهم وهم يبحثون عن قوت يومهم.
الإعلام والانحياز
بعد كل ما سبق، يجب على الإعلام عند نقل أي خبر يخصّ غزة – سواء كان عن ارتقاء الشهداء أو عن الجرحى – أن يُعنون الخبر بشكل صادق وواضح، مثل:
“حدث إنساني صعب وقع في قطاع غزة خلّف عددًا من الشهداء والجرحى والمفقودين.”
فأبجديات الإعلام المهنية تفرض الوقوف على تفاصيل الحدث، لا أن تمرّ أخبار غزة مرور الكرام، في حين يُعطى خبر مقتل جندي إسرائيلي الأهمية القصوى، وتنقسم له الشاشات ويُحلّله الخبراء والمختصون.
هذا التحيز يمثل ظلمًا وإجحافًا لمليوني إنسان يعيشون ظروفًا مأساوية قاسية.
أرقام لا تُنسى
قُتل أكثر من 57 ألف إنسان في غزة: حدث إنساني عظيم.
جُرح أكثر من 130 ألف إنسان: مأساة كبرى، لأن الجراح التي تنزف دماء لا ماء.
أكثر من 10 آلاف مفقود غيبتهم الحرب عن عائلاتهم.
42 ألف طفل يتيم فقدوا آباءهم وأحبتهم.
مليونا نازح تركوا خلفهم أحلامهم وذكرياتهم، وتاهوا في تعب النزوح وذلّ التشرد.
تدمير الجامعات والمدارس، منع أكثر من نصف مليون طالب من تلقّي تعليمهم الطبيعي، ودفع بالكثيرين إلى التسوّل أو بيع ما تبقى من طفولتهم في الأزقة المدمّرة.
المرضى وأنينهم غابت أصواتهم خلف دويّ القصف وصراخ الجرحى ودماء الشهداء.
مسؤولية إعلامية وأخلاقية
لكل تلك الأسباب، تبقى الإبادة الجماعية في غزة الحدث الأمني والإنساني والأخلاقي والمهني الأصعب في تاريخنا الحديث، والذي يجب على جميع القنوات الإعلامية أن تتعامل معه بجدية، وأن تسلط الضوء على كل تفصيلة ذكرتها هذه المأساة، لأن خلف كل بشر وشجر وحجر في غزة قصة وذكرى لا تُنسى.
فغزة اليوم شاهدة وشهيدة على أحداث مريرة مؤلمة ستخلّدها كتب التاريخ بمداد الألم وحبر المعاناة. لأن التفاصيل يصعب نسيانها، ولأن الذاكرة لا تموت.
ويبقى السؤال الكبير:
هل ما حدث في السابع من أكتوبر يستحق كل هذه الخسائر الفادحة التي تعرّضت لها غزة وأهلها حتى اليوم؟!


