ثقافةمقالات

كتاب ظاهرة الغموض في النقد الأدبي للدكتور عبد الرحيم الهبيل

عرض كتاب بعنوان:

(ظاهرة الغموض في النقد الأدبي) للدكتور عبد الرحيم الهبيل

بقلم: د. عبد الرحيم حمدان/ ناقد وأكاديمي

صدر للدكتور عبد الرحيم الهبيل كتاب في النقد الأدبي بعنوان: (ظاهرة الغموض في النقد الأدبي)، عن دار الكلمة للنشر والتوزيع، بغزة في طبعته الأولى سنة ٢٠٢٣ م، ويقع الكتاب في مئة وثمانٍ وستين صفحة من القطع الكبير، في طبعة أنيقة ومرتبة ومتناسقة مع محتوى الكتاب. وقسم المؤلف الكتاب إلى أحد عشر مبحثاً، وجاء هذا التقسيم متماهياً تماماً مع ما يود طرحه من قضايا، وتمَّ هذا التقسيم بحنكة العارف واقتداره بخبايا الأمور، وقد سبقه إهداء، وتصدير، وجاءت المباحث على النحو الآتي:

المبحث الأول: الغموض في التراث اللغوي والنقدي، المبحث الثاني: الغموض في النقد الحديث، المبحث الثالث: أصول مصطلح الغموض ومصادره، المبحث الرابع: مناهج البحث في مصطلح الغموض، المبحث الخامس: أنواع الغموض وأقسامه، المبحث السادس: عوامل الغموض الفني، المبحث السابع: ثقافة الشاعر، المبحث الثامن: مفارقة عمود الشعر العربي. المبحث التاسع: القيم الصوتية والإيقاعية، المبحث العاشر: القيم التصويرية، المبحث الحادي عشر: المتلقي.

وختم المؤلف كتابه النقدي بتذييل رصد فيه أهم ما توصل إليه من نتائج، وأعدَّ في خاتمة الكتاب لائحةً لأهم المراجع التي أفاد منها في صنع كتابه. وقد أوضح في تصديره الكتاب الهدف من تأليفه، فقال:

“وهذا الكتاب يسعى إلى كشف مفاهيم الغموض ومعالمه، ويهدف إلى تحديد أصول المصطلح، والعوامل التي تعزز وجوده في الشعر، لكنَّ اتساع الأزمنة، وتداخل أبواب المعرفة يحول في كثير من الأحيان بين الكاتب، وما يرمي إليه.

وبيّن المؤلف أن هناك آثاراً واضحة للتناص والاقتباس ونظرية التحليل النفسي في تشكيل ظاهرة الغموض، كما أنّ الغموض يزداد حضوراً على نحو أوسع في النص بمرور الزمن وفاعلية التلقي.

أشار المؤلف إلى موقف النقاد القدامى والنقاد المحدثين من ظاهرة الغموض، فوُجد المؤيد لهذه الظاهرة، ووُجد الرافض لها، ووُجد الذي أخذ منزلةً بين المنزلتين، فلا هو بالذي رفض الغموض، ولا هو بالذي قَبِله مطلقاً دونما قيد.

وقد ذَكر المؤلف مواقف عدد من النقاد، ومن بينهم الناقد ابن الأثير، إذ يقول المؤلف عن موقفه “يقر ابنُ الأثير بالغموض، ولكنّ ذلك الغموض الذي ينتج عن التراكيب، أما ما كان من لفظٍ مفردة فلا يرتضيه، وإن غُمض اللفظ فيجبُ أن يتم الترجيح بين معانيه”(ينظر الكتاب، ص15).

ومن المعلوم أن الاهتمام بظاهرة الغموض في الأدب العربي ظلّ منصباً على الغموض في الشعر أكثر من الاهتمام بهذه الظاهرة في النقد الأدبي، من هنا تكمن أهمية الكتاب الذي يتناول بالرصد والتحليل والدرس موقف النقاد من ظاهرة الغموض؛ بوصفها معياراً للشعر الجيد والشعر غير الجيد.

لا شك في أنّ النقاد كان لهم آراء متباينة إزاء هذه القضية النقدية، وهذا التنوع والتباين في المواقف النقدية مَنَحَ أسلوبَ الغموض منزلة رفيعة بين الأساليب الأدبية، حتى غدا ظاهرة أسلوبية يتّصف بها الأدب بعامة، والشعر بخاصة، وبذا يمكن اعتباره ركيزة أساسية من ركائز الجمال الفني في الشعر التي يعدها النقاد العرب أساساً لازماُ له، فأصبح أي تحقيق للجمال الفني غاية منشودة يُحَكْم به على جودة العمل الفني .

إن وجود مثل هذه الظاهرة لا ريب في أنه أثرى الساحة النقدية بقضية نقدية مهمة تمس أساس الكلام بعامة والإبداعي بخاصة؛ لتوقف المتلقين في النهاية على أن فصاحة اللفظ ليس في الغموض الذي تشعه؛ بل إن فصاحتها تكمن في حدود التعبير الصادق، وبث المعنى المقصود، والإيحاء بفكرة واضحة؛ لأن الأدب شعراً كان أم نثراً له وظيفة، ورسالة مناطة به، يخاطب بها العقل والوجدان معاً من خلال المعنى الذي يحمله الكاتب شاعراً كان أم ناثراً لقرائه.

ويخلص المؤلف إلى أن الغموض الفني ضرب من المصطلحات الأدبية تتولد عن وعي وسعة أفق وفكر من جانب الأديب، شريطة ألا يتحول الغموض إلى طلاسم لا يمكن الاهتداء إليها، أو فكّ شفراتها المعرفية من قبل المتلقي الذي يلزمه إعمال الفكر وتنشيطه، بتحفيز الدَّلالات التي تستبطن أبعادًا معرفية تكشف المعنى.

وإلى مثل هذا الرأي توصل المؤلف في نتائجه بقوله بأن: “الغموض ينبع من مقتضيات الحالة النفسية، وتناقضات الحياة، ولكنَّ الجوانب الإيقاعية والتصويرية والعلاقات اللغوية من العوامل الفنية التي تثري النص، وتعزز تشكيل الغموض الفني”(الكتاب، ص: ١٥٤).

وقد توصل المؤلف في كتابه النقدي إلى جملة من النتائج من أهمها:

إن الغموض ظاهرة فنية، لا يمتلك زمامها إلا الشعراء الذين امتلكوا حسـاسية عصرهم، وعرفوا أن بقاء الشعر وحياته تقوم على أسس فنية وثقافية، وأجادوا إقامة التناص بين نصوصهم ونصوص الآخرين.

إن الغموض من الظواهر التي ترافق الفنون في كل عصر، ولكن تبرز بوضوح في كل مرحلة من مراحل التجديد، ولذلك ترتبط عوامل الغموض بعوامل التجديد على نحو جليّ.

– تعددت عوامل الغموض وكثرت التفسيرات لهذه الظاهرة في العصر الحديث. ولكن تلك العوامل يمكن بلورتها في نقاط محددة أهمها: الشاعر والمتلقي ومفارقة عمود الشعر العربي بكل ما فيه من لغة وصور وتراكيب.

إن أبرز ما يمتاز به كتاب ظاهرة الغموض في النقد الأدبي من وجهة نظر عارض الكتاب؛ صفةُ الانضباط: الانضباط في المصطلح، وفي اللغة، وفي الحدود، وفي الهدف، وفي المنهج، وفي تقسيم الكتاب إلى مباحث، وفي اختتامه بالنتائج، ورصد المراجع، وذكر قائمة المحتويات، وهذا الانضباط في البحث هو الذي أضفى على الكتاب الموضوعية والحيدة، ودقة البحث العلمي، والتزام أسسه وقواعده .

والناظر إلى هذا الكتاب النقدي يكتشف أن المؤلف بذل في إعداده مجهوداً كبيراً، وحرص على يتجلى كتابه في أبهى شكل وأكمل هيئة، ويأمل أن يفيد منه الدارسون والباحثون في مجال النقد الأدبي، لا سيما وأنه ألقى ضوءاً ساطعاً على ظاهرة الغموض في النقد الأدبي.

ويعترف عارض الكتاب أنه لم يحط بما جاء فيه من معلومات، وبذلك لم يوفه حقه من الدرس والتحليل، بل إنه في مكنته القول: إن الكتاب يظل إضافة نوعية إلى المكتبة الفلسطينية والعربية على حد سواء في ميدان النقد الأدبي.

أتمنى للدكتور عبد الرحيم الهبيل كل التوفيق والسداد في خدمة التراث العربي النقدي وتطويره وتجديده، ومزيداً من الإبداع في ميدان النقد الأدبي.

زر الذهاب إلى الأعلى