مقالات

صراع الوجود في ضوء نظرية إدارة الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي

صراع الوجود في ضوء نظرية إدارة الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي

د. منصور أبو كريم

باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية

في وصفه للعقل العربي في رفض كل عروض التسوية السابقة بدأ من قرار التقسيم رقم (181)، مرورًا بكل القرارات والمشاريع التي تم رفضها بدون القدرة على حماية هذا الرفض! قال “إسحاق شامير” رئيس وزراء الكيان السابق:

” العرب همّ ذات العرب، والبحر هو ذات البحر” فلن يختلف شيء مع مرور الوقت!

مع انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة تبنت فصائل منظمة التحرير الفلسطينية استراتيجية الحرب الشعبية طويلة الأمد لمواجهة إسرائيل، وهدفت لتجنيد كل الشعب الفلسطيني في مواجهة هذا الاحتلال من خلال وسائل متعددة، كان من ضمنها الكفاح المسلح( العمل العسكري)، والتي حافظت على الهوية الوطنية الفلسطينية من الضياع عقب نكبة عام 1948، لكن مع حدوث تحولات كبيرة في بنية النظام الدولي عقب سقوط الاتحاد السوفيتي وانكشاف ظهر الثورة الفلسطينية، تبنت فصائل العمل الوطني الواقعية السياسية عبر التوقيع على اتفاق أوسلو الذي مهد لإنشاء أول سلطة فلسطينية على الأراضي الفلسطينية، وثم مع وصول عملية السلام لطريق مسدود، لجأت للنضال السياسي والدبلوماسي والقانوني في الأمم المتحدة والمحافل الدولية الأخرى، الذي تمخض عنه حصول فلسطين على مكانة دولة مراقب في الأمم المتحدة في العام 2012، وانضمامها للعديد من المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي عززت مكنتها في الساحة الدولية، مع تجريم وملاحقة إسرائيل في المحافل الدولية، وخاصة محكمة العدل والجنايات الدولية التي أصدرتا العديد من القرار التي تساند الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وإقامة دولته المستقلة.

ترافق مع هذا الاتجاه تبني فكرة النضال السلمي عبر المقاومة الشعبية، وإقامة هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، لتجيب الشعب الفلسطيني بطش الاحتلال، مع تعزيز مؤسسات الدولة الفلسطينية، الإدارية والأمنية والقانونية، لجعلها واقع ملموس رغم إجراءات الاحتلال.

لضرب هذه المكتسبات عمل الاحتلال بقيادة اليمين الديني بزعامة نتنياهو وحزب الليكود على جرنا مرة أخرى إلى مربع العمل العسكري، كونه يدرك أن هذا العمل يجد صداه لدى الشارع الفلسطيني والعربي، من خلال الاعتداء على المقدسات وزيادة حدة الاستيطان والطرق الالتفافية، ومصادرة الأراضي وحصار غزة، فكل هذه الممارسات جرتنا عن قصد إلى مربع العمل العسكري مرة أخرى، لتبرير “قتلنا وتهجيرنا”. فمن يتابع تصريحات نتنياهو قادة اليهودية الدينية الحاكمة في إسرائيل الآن وعقب انتخابات عام 2021، وفوزهم بالأغلبية يدرك لماذا كان بن غافير يصّر على اقتحام المسجد الأقصى المبارك، ويقيم فيه صلوات تلمودية، ولماذا عمل نتنياهو على تقويض مسار التسوية السياسية ومبدأ حل الدولتين، ولماذا عمل على تقويض السلطة الفلسطينية ومسار أوسلو، فكل هذه السياسات كانت تهدف لدفع الفلسطيني الثائر للتفكير مرة أخرى بحمل البندقية والعودة إلى الكفاح المسلح، من أجل تبرير القبضة الأمنية والحصار والقتل والتدمير، وتفكيك المخيمات والمدن الفلسطيني، والانقضاض على مؤسسات الدولة الفلسطينية، تحت حجة محاربة ” الإرهاب الفلسطيني” فلم تكون إسرائيل قادرة على القيام بالتهجير ” ترانسفير” جديد، إلا إذا امتلكت حجة قوية، فكان السابع من أكتوبر وبقاء حماس في مشهد السلطة بغزة، وظهور مجموعات مسلحة في مخيمات الضفة الغربية الذريعة للانقضاض على غزة ومخيمات الضفة الغربية، وتحقيق وتنفيذ ما يعرف بخطة حسم الصراع.

صحيح إن مقاومة الاحتلال بكل الوسائل المشروعة في القانون الدولي – بما فيها المقاومة العسكرية- عمل مشروع، لكن في الحالة الفلسطينية-الإسرائيلية، نحن دائمًا بحاجة إلى وسائل تحقق أهدافنا في الحرية والاستقلال، وسائل تعزز بقائنا وصمودنا على هذه الأرض بدون أن تجلب علينا ردأت فعل غير محسوبة العواقب، ففي سياق مواجهة احتلال استيطاني إحلالي مثل الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية؛ يصبح تثبيت المواطن على أرضه وعدم تهجيره منها، هو قمة النضال والمقاومة لمواجهة هذه السياسات، كون أن الاحتلال الإسرائيلي يسعى إلى القضاء على الوجود الفلسطيني في الأرض الفلسطينية، لتحقيق نظرية “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”

خلاصة القول: إن بقاء المواطن الفلسطيني على أرضه كجزء أساسي من استراتيجية إدارة الصراع، باعتبار أن الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي “صراع وجود وليس صراع حدود”، هو قمة النضال السياسي، لأنه بدونه سوف نتحول إلى هنود حمر جدد…!

 

 

 

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى