مقالات

لماذا تقصفنا النجوم؟

بقلم: محمد وئام التعبان-غزة

في غزة، حيث يتداخل الأمل مع الحزن في كل لحظة، تتغير السماء أمام عيوننا بشكل غير مألوف. في الليل، حين يغط الأطفال في نومهم، يبدو أن السماء التي كانوا يرونها مليئة بالأحلام والمستقبل، تحولت إلى مكان يسكنه الرعب والدمار. تأتي الطائرات في السماء، تملئ الأفق بصوتها المرعب الذي يتسلل إلى قلوبنا، ليغلق الطريق أمام أي حلم بسيط.

وفي تلك اللحظات، يسأل أخي الصغير الذي لا يزال يعيش براءة الطفولة، “لماذا النجوم تقصفنا؟”. هذا السؤال الذي يطوقني بألم، يجعلني عاجزًا عن إيجاد الإجابة المناسبة، وهو في ذات الوقت يعكس الواقع الذي نعيش فيه في غزة. كيف أشرح له أن ما يراه من أضواء في السماء ليس نجومًا؟ كيف يمكنني أن أخبره أن هذه ليست الأضواء التي تضيء الطريق في الظلام، بل هي طائرات حربية تحمل الموت وتلقي بالقنابل على الأرض؟ وكيف يمكنني أن أخبره أن السماء التي كانت تمنحنا السكينة والأمل أصبحت الآن مصدر رعب؟

إنه سؤال يوجع القلب؛ فالأطفال لا يعرفون الحرب ولا يفهمون لماذا يتحول ضوء السماء إلى لهب يحرق الأرض. في عالمهم الصغير، النجوم جميلة وتروي قصصًا عن الأمل، لكن في غزة، حتى النجوم باتت تحمل معاني أخرى.

نحن في غزة، حيث السماء أصبحت مكانًا للصراع، وعندما يرفع الأطفال رؤوسهم ليشاهدوا السماء، لا يجدون النجوم التي طالما رافقتهم في أحلامهم، بل يجدون الطائرات التي تحمل الموت من فوقهم. أصبح السؤال البريء “لماذا النجوم تقصفنا؟” يحمل في طياته أسئلة أكثر عمقًا: لماذا يتحول الأمل إلى ألم؟ ولماذا تسلب الحروب الأطفال براءتهم قبل أن ينضجوا؟

الطفولة في غزة ليست كما هي في أي مكان آخر. ليس لديهم فرصة للعيش في أمان، حيث يعيشون مع القصف والتدمير في كل لحظة. يتعلم الأطفال هنا الخوف في صغرهم، ولكنهم أيضًا يتعلمون كيف يظلون صامدين في وجه العواصف، وكيف يتشبثون بالحياة رغم كل ما يحدث حولهم.

إن هذا السؤال، الذي لا يحمل فقط براءة الطفولة، يطرح أيضًا سؤالًا أكبر: هل ستستمر هذه الحروب في سلب مناحي الحياة من الأطفال؟ هل ستستمر السماء في أن تكون مكانًا للموت بدلاً من الأمل؟ وكيف يمكننا أن نعيد للأطفال في غزة حقهم في النجوم، في الحلم، في أن يعيشوا حياة كريمة بعيدًا عن صوت الطائرات الذي يملأ السماء؟

في النهاية، نواجه الحقيقة الصعبة أن النجوم التي يراها أخي الصغير ليست كما تبدو له. ومع ذلك، سأظل أخبره بأن النجوم هناك، في مكان ما، بعيدة عن الحرب. سأخبره أن هناك أملًا في نهاية هذا الطريق، رغم كل ما نمر به. لكن هذا الأمل لا يأتي إلا عندما تنتهي الحرب، وعندما يعود الأطفال في غزة إلى حياتهم الطبيعية، يعيشون تحت سماء خالية من القنابل، حيث النجوم تظل جميلة كما هي.

إنها غزة، وإنه أخي الصغير، الذي يوجه لي هذا السؤال كلما نظر إلى السماء، وسأظل أبحث عن الإجابة التي لا تؤلم قلبه ولا تكسر طفولته.

 

زر الذهاب إلى الأعلى