دمج الظلال في رواية “سليم القعيد” للروائي نافذ الرفاعي
بقلم: مريم أبو بكر – فلسطين
يخطو الروائي نافذ الرفاعي من خلال شخصية سليم العقل قعيد الجسد كسير العمود الفقري نحو الشمس صعودا على جميزة القداسة الذي أراد أن يرى المسيح بحسب الكتاب المقدس ليعبر رحلة التحدي والبقاء.
يصنع تابوت الظل الكبير الوارف في محطات المدينة ذات الهالة السرية نحو جبل التجربة الغائبة, يأكل السعادة بشقاء إسعافه نحو المغطس, يلتهم السيجارة التي أشعلها والد حبيبته وقدّمها له على نعش من حرير.
يُحطّم ضوضاء نفسه مُتكئًا على قوة ساعديه, يتحدث إلى الجميزة في لغة رمزية تدعى “الشويجا” مخاطبا الطبيعة إذ تجيد الاستماع, فالأشجار تتكلم وتنصت وتتراسل بروحها النباتية والجذرية.
تميمة في بطن شجرة الزيتون تشكل صحوة نحو الحلم المنتظر! , عَزْف ناي حزين, وسِحْر لَحْنٍ على كمنجة الفرح, والرقص بصوت جبلي نقي الصفات, صديق فوضي يشعل حلم سليم ليمنحه جناحين للطيران يميط عنه صفة الكسلان في تسلق الجميزة سعيًا وراء أمنيته المستحيلة, يُصيّره فَهْدًا صاعدًا نحو القمة في ثوان معدودة.
يقبض سليم القعيد بكفيه على فروع الشجرة المتيبسة مستمدا قوته من عواطف, حبيبته وراء نجاحه, يسمو رجل الحبال, يسبح ويعزف بلغة الماء ليرتعش جسده بنبيذ العناق الطويل, لكن الدخان تطاول على سطح البركة شغف القعيد والانتظار! والله وحده يعرف الحكاية.
يتجاوز الروائي نافذ الرفاعي حدود الحلم وما وراءه, ليربط البناء بالمواسم, موسم قطف الزيتون وعصره وعودة المغتربين لقضاء عطلة صيفية ورائحة الوطن بحسب قانون الجاذبية لنيوتن, تفاحة سقطت لتكشف رمزا كونيا غامضا, شوق وحنين نحو الوطن.
عاش سليم القعيد شبابه منبطحًا على صدره وبطنه, يعاني تقرحات في جسده وروحه, وخراب ضرب الكلى وأمراض السكري والضغط وتضخُم في القلب, مارس الفروسية ليرتطم فجأة بالأرض في “ردشة” جنونية لعل كسورا جديدة تحيي ذاك الجسد الميت بمزيد من الألم ليعالج شعور عدم الإحساس في أطرافه السفلى عبثا, واشما كوعه اليسار بشبكة عنكبوتية معقدة تشي بحبس روحه القوية داخل جسده الضعيف, ليرمز للثبات الداخلي بخلاف ماضيه معقد الألم وقصة طويلة صامتة!
يسطر الروائي نافذ الرفاعي ملحمة صمود الفلسطيني في وطنه, ليحل من خلال حكاية سليم القعيد أرجوزة اللعبة المحيرة “البازل” المعاندة له تماما, وفي تسلق الجميزة حل الأرجوزة صعبة المنال, وعواطف حبيبة القعيد هي سر الأحجية, يعيد سليم تجميع أجزاء الصورة حقيقته كلما ارتقى على الجميزة صعودا يجر جسده الثقيل بساعديه المنهكين باتجاه حبيبته البشارة التي تمنحه طاقة جنونية, وفي صراع بينه وبين ضده نقش بعضًا من وصيته بمشبك شعر عواطف على لحاء شجرة الجميزة.
تُضمر حكاية “سليم القعيد” حكاية الشعب الفلسطيني المهجر قسرًا, وتعكس مشاعر الغضب والألم متساقط الأوراق في طريق اللاعودة, وتنبض بالقوة الكامنة في تمسك الفلسطيني بأرضه, وتراوح بين المشاعر الجسدية والذكريات العاطفية ومعاني الجذب نحو مقاومة الواقع الأليم معادي الحرية, وتنقش للمتلقي حل اللعبة المحيرة لتكتمل صورة شغف المجازف العاشق لوطنه, لتشكل ملحمة صراع البقاء المُبشّر “بزكا العشار” والانتصار.
