مقالات

“إيناس… وجهٌ يشبه الوطن حين كان أكثر بساطةً وضوءًا”

بقلم : د. رابعة محمود الدريملي

في زمنٍ كانت فيه الشاشة الفلسطينية تُبنى على أيدي الطيبين، كانت إيناس الطويل أول من يطلّ علينا بابتسامة تُشبه مطر غزة حين يزورنا بلا موعد. تدخل بيتك كأنك تعرفها من سنين، لا تحتاج إلى مقدمة، ولا إلى لقب، ولا إلى رتوش. مجرد ظهورها كان يكفي لتطمئن أنّ على هذه الأرض ما يستحق البقاء.

تلقيتُ اليوم خبر رحيلها…
ولم أُحسن الرد.
سكتُّ طويلًا. لأن الطيّبين حين يرحلون، لا يُقال فيهم شيء…
بل يُفتقدون.

إيناس لم تكن مجرد مذيعة.
كانت أكثر من ذلك بكثير… كانت طاقة نور،
امرأة تشبه الشاشة حين كانت لها هيبة، وكان للصوت هيبة،
وكان للبساطة مجد، وللمهنية معنى.

أذكر كيف كانت تضحك في كواليس النشرات،
تسأل عن زميل مريض، وتطمئن على أبناء الزميلة،
تقف في صف القهوة، لا تُحب الامتيازات،
ولا تتأخر حين يُطلب منها الوقوف على الهوى بدلاً من أحدٍ غاب فجأة.

في زمن الانقسام…
حين خُذلت فلسطين من نفسها،
غادرت إيناس الشاشة… وغادرت البلاد،
لكنها لم تغادر القلوب.
بقيت ذكرى حيّة في حديث من عملوا معها،
في ذاكرة الجمهور،
وفي أرشيف النقاء.

هي واحدة من الذين دخلوا التلفزيون وهم يعرفون أنه ليس مجرد مهنة،
بل مرآة شعب، وصوت وطن، ووجه لأمهات الشهداء.

اليوم، في قلب المقتلة على غزة، نفتقد تلك الوجوه التي كانت تلملمنا…
التي كنا نصدقها لأنها لا تُمثّل، ولا تتصنّع، ولا تخون النبرة.

يا إيناس…
نمشي اليوم على الركام، ونبحث في الحبر عن ملامحك…
عن صوتك في نشرة مسائية، عن خفة ظلكِ، عن إنسانة تركت فينا شيئًا لا يُنسى.

سلامٌ عليكِ،
على غربتك الطويلة،
وعلى عودتك الصامتة إلينا، عبر وجع الخبر.

رحمكِ الله،
يا وجه فلسطين الجميل…
يا ابنة الشاشة التي بقيت جميلة حتى وهي تغيب.

زر الذهاب إلى الأعلى