“العقيدة”الحلقة التاسعة من “ماء الكلام” يكتبها وليد الخطيب

الحلقة التاسعة
ماء الكلام
العقيدة
“لقد برهن جبروت التراث العربيّ الخالد أنّه أقوى من كل محاولة يُقصَد بها زحزحة العربية الفصحى عن مقامها المسيطر، وإذا صدقت البوادر ولم تخطئ الدلائل فستحتفظ العربية بهذا المقام العتيد من حيث هي لغة المدنية الإسلامية”؛ هذا ما قاله المستشرق الألماني يوهان فك (Johann Fück) عن مقام اللغة العربية.
فهل أتى قوله هذا من فراغ؟!
لا، فهو يدرك كما يدرك الضالعون باللغة العربية أن لغة الضاد – فضلًا عمّا تملكه من جمال وسلاسة ودقّة… وأناقة في الأسلوب – هي لغة قويّة في العقيدة والتعبير.
“العقيدة”، هذه الكلمة التي نستخدمها كيفما اتّفق، من دون أن يلتفت كثرٌ إلى أنها ليست مجرّد كلمة للتعبير عن أيديولوجيا معيّنة. فهي في الأصل مشتقّة من الجذر “ع ق د” وهو الربط وإحكام الوثاق، فنقول عقد الخيط أي ربطه وأحكم وثاقه…
ونقول عن حامل فكرة ما – أيًّا كانت – صاحب عقيدة، وهي ما يؤمن به إيمانًا راسخًا لا يقبل الشكّ، وكأن الفكرة التي يؤمن بها “معقودة” في عقله ولا يمكن حلّها. من هنا، نرى أن صاحب أيّ عقيدة من الصعب أن يتحوّل إلى غيرها في بساطة لأنّها مربوطة بشدّة في لبّه، واعتقاده بها قطعي يقيني في إحكام ولا يمكن حلّها.
فعقيدة المرء أُسُّ سلوكه وتوجُّهه في الحياة، على أساسها يبني فكره ويحدّد اتجاهه ويرسم هدفه. لذلك، يعتمدها نهجًا ونبراسًا في مسيرته؛ فنراه مقتنعًا بها أشدّ الاقتناع ويحاول إقناع مَن يحاورهم بها. لأنّه متأكّد من صوابها. من هنا تأتي المعاقدة بين طرفين أو أكثر، لأنّها تؤكّد ما يُتّفق عليه كتابة أو شفاهًا. لذا، اعتُبر العقد عهدًا وشريعةً. فالاتفاقات بين الناس معاقدة أي معاهدة لأنّها توثّق ما يُقال، إن في البيع أو الشراء أو في الزواج والطلاق… فالعقيدة لغةً إيمانٌ راسخٌ جازمٌ يطابق الواقع بما لا يدع مجالًا للشكّ أو حتى للظنّ. فأيّ معرفة لا تصل إلى اليقين القاطع الراسخ ليست بعقيدة. وإذا كان الاعتقاد بالشيء لا يثبته دليل واضح مقنع فهو أشبه شيء بوعاء فارغ يملأه الهواء ويتلاعب به شمالًا ويمينًا!
تقول القاعدة القانونية: “العقد شريعة المتعاقدين”.