ملفات اليمامة

قرار محكمة الجنايات الدولية الأحدث بين الاحتفاء والرفض والتنفيذ

قرار محكمة الجنايات الدولية الأحدث بين الاحتفاء والرفض والتنفيذ

 اليمامة الجديدة- رامية الصوص

قرار المحكمة

أصدرت الدائرة التمهيدية الأولى لمحكمة الجنايات الدولية الناشئة عام 2002 في لاهاي/ هولندا، بيانًا في الخامس من الشهر الماضي (فبراير) 2021، أعلنت فيه عن قرارها بإجراء تحقيق جرائم حرب مفترضة على الأراضي الفلسطينية.

وقالت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية، فاتو بنسودا في البيان: “أؤكد أنَّ مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية فتح تحقيقًا يتعلَّق بالوضع في فلسطين”.

وأشارت إلى أن “التحقيق سيتناول جرائم مشمولة بالاختصاص القضائي للمحكمة، والتي يعتقد أنها اِرتُكِبت في 14/ يونيو، عام 2014”.

كما وأشارت إلى وجود أساساتٍ منطقيةٍ وفرضياتٍ معقولة لأن تكون الأراضي الفلسطينية قد تعرَّضت لجرائم حرب من الجهات المشاركة في حرب 2014 في غزة، تعني بذلك الجيش الإسرائيلي والفصائل المسلَّحة وفي مقدِّمتها حركة حماس.

وفي ديسمبر عام 2019، كانت قد أعربت بنسودا عن رغبتها في تحقيقٍ كاملٍ بعد تحقيقٍ مبدئيٍّ استمر خمس سنوات بعد  حرب  2014، مشيرةً إلى أنَّه كان بمقدورها إجراء هذا التحقيق، ولكنها كانت تنتظر إجابةً حول شمول الاختصاص للأراضي الفلسطينيةَ.

وكان قضاة المحكمة الجنائية قد مهَّدوا الطريق بالفعل لهذا القرار قبل شهرٍ من صدوره، حينما أعلنوا أن الاختصاص القضائي للمحكمة يشمل الأراضي الفلسطينية كون فلسطين عضو في المحكمة منذ عام 2015.

ردود الفعل حول القرار

كما ورد عن وكالة الأنباء الفلسطينية “وفا”، فإنَّ رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية استقبل قرار المحكمة بالترحيب، إذ قال إن هذا القرار “انتصار للعدالة وللإنسانية، ولقيَمِ الحقِّ والعدل والحرية، وإنصاف لدماء الضحايا”.

واعتبرت الوزارة الخارجية الفلسطينية يوم صدور هذا القرار يومًا تاريخيًّا جديرًا بالاحتفاء، ودعت إلى ضرورة التعجيل في إجراء هذا التحقيق مؤكدةً على أنَّ الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل ما هي إلا جرائم مخطط لها وفق منهجٍ دقيق، وأنَّها ما زالت مستمرة، وعلى نطاقٍ واسع.

وبدورها عبَّرت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) عن إعجابها بقرار المحكمة، ورغبتها الكبيرة في أن يتم تنفيذه.

كما وقامت بتبرير موقفها وأفعالها التي من المفترض أن تحقق فيها المحكمة بموجب القرار، حيث قال المتحدث الرسمي باسم الحركة حازم قاسم: “مقاومتنا هي مقاومة مشروعة وتأتي في إطار الدفاع عن شعبنا، وهي مقاومة مشروعة كفلتها كل الشرائع والقوانين الدولية”.

أما (إسرائيل) فأدانت القرار، تحت غضبٍ وتوترٍ كبيرين، واعتبرته قرارًا سياسيًا بحت، على أنَّ محكمة الجنايات الدولية هيئة سياسية لا قضائية، بحسب زعمها.

وأشارت صحيفة “يديعوت أحرنوت” إلى أنَّ هكذا قرار كان بمثابة قنبلة لإسرائيل، ودعت إلى استعداداتٍ عاجلة لمواجهته، وإزاءه طرحت جميع السبل المتاحة للجانب الإسرائيلي للتصدي له.

وفي بيان أوضح فيه موقفه، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين ناتنياهو: “اليوم، أثبتت المحكمة مجددًا أنَّها هيئة سياسية وليست مؤسسة قضائية.”؛ فهو يعتبر أنَّ هذا القرار سيقف في وجه الأنظمة الديمقراطية حين تقرر الدفاع عن نفسها.

وعارضت الولايات الأمريكية المتحدة بشدَّة قرار المحكمة الجنائية بشأن فتح تحقيقٍ لجرائم الحرب، وأعلنت عن تخوّفها من ممارسة المحكمة اختصاصها على العسكريين الإسرائيليين، بحسب ما ورد عن المتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس. وأوضحت أن (إسرائيل) غير ملزمة بقرار المحكمة الجنائية، لأنَّها لا تُشكِّل عضوًا فيها.

ويشار إلى أن المحكمة واجهت ازدراءاتٍ ومحاولات تحقير كثيرة من قبل الولايات المتحدة، ففي يونيو 2020 فرض ترامب عقوبات على مسؤولين في المحكمة الجنائية “على خلفية تحقيقها في جرائم حرب مزعومة ارتكبت في أفغانستان.” كما اتَّهم ترامب المحكمة بالفساد وعدم الحيادية، وبأنَّها خاضعة للنفوذ الروسي، واعتبرت الولايات المتحدة أنَّ محكمة الجنايات الدولية محكمة صورية لا تُسمن ولا تغني من جوع.

ومن جهتها قامت المحكمة الجنائية الدولية بالردِّ على الانتقادات وتيارات الرفض التّي قابلت قرارها، وقالت: “إنَّها هيئة قضائية مستقلَّة ومحايدة” وأنَّها ليست هيئة سياسة كما ادّعى رئيس الوزراء الإسرائيلي ناتنياهو.

وأكدت على أنَّها تستمد صلاحية اختصاصها الذي يشمل الأراضي الفلسطينية بما فيها الضفة الغربية وقطاع غزة والأراضي المحتلة عام 1967، من القانون الدولي ووثيقة تأسيس المحكمة.

منظمة “هيومن رايتس ووتش” وموقفها من القرار

رحبت منظمة “هيومن رايتس ووتش” بقرار المحكمة الجنائية، وقالت: “حان الوقت ليواجه مرتكبو الانتهاكات الجسيمة، من الإسرائيليين والفلسطينيين، العدالة”.

وفي بيان لها اعتبرت مديرة قسم العدالة الدولية في المنظمة بلقيس جرَّاح، القرار بمثابة فرصة حقيقة تمنح الأمل لضحايا الجرائم الكبرى.

هل سينتقل قرار محكمة الجنايات الدولية بمحاكمة مرتكبي الجرائم من الورق إلى أرض الواقع؟

أسئلة كثيرة طُرحت وما زالت تُطرح حول مدى فاعلية قرار الجنائيات الدولية، وإمكانية تنفيذه.

وطُرح سؤال موغِل في الأهمية، وهو: هل ستؤثر معارضة الجانب الإسرائيلي والأمريكي في قرار المحكمة؟ وهل ستشكًل عائقًا كبيرًا أمامه؟

أعلنت المدعية العامة للمحكمة بنسودا أنَّ التحقيق سيبدأ بشكلٍ فعلي، وخلال مكالمة أجرتها مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نتانياهو أكدت نائبة الرئيس الأمريكي كالا هاريس على الرفض القاطع من قبل الجانبين، الإسرائيلي والأمريكي، لإجراء التحقيق، وفرض الاختصاص القضائي على مسؤولين أو جنود إسرائيليين. وكانت المكالمة بعد يومٍ من إعلان بنسودا نية البدء في التحقيق.

وقد أكد الجانب الأمريكي استمرارية دعمه لإسرائيل، وحرصه على أمنها وأمن جنودها.

وصرَّح المتحدث الرسمي باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي، أوفير جاندلمان، في مقابلة أُجريت معه عبر “فرانس 24″،

بأنَّ “إسرائيل ليست وحدها”. في إشارة منه إلى أنَّ هناك دولًا تُعاني، مثلهم، من قرارات المحكمة الجنائية

 المتحيِّزة، كما يدّعي، ويتطلَّعون إلى دعمها موقفهم.

فما الذي تخافه إسرائيل من إجراء تحقيقاتٍ معها حول جرائم الحرب؟

أجاب خبراء في القانون الدولي على هذا السؤال، وقالوا إنَّ إسرائيل تخشى على سمعتها في حال صدرت مذكرات تُوجب اعتقال أو ملاحقة مسؤولين إسرائيليين، كما قال الخبراء إنَّ إصدار مثل هذه المذكرات أمر وارد للغاية.

وتُشير التوقعات إلى أنَّ إسرائيل ستكرِّس جهودها لإعاقة سير التحقيقات، سواء على الصعيد السياسي أو اللوجستي. وإذا تمَّ النظر إلى العقوبات التي أصدرها ترامب ضدَّ المحكمة والعاملين فيها؛ يُمكن القول إنَّ مسألة عرقلة التحقيقات قد بدأت بالفعل.

وعلى الصعيد اللوجستي، فمن المتوقع أنَّ إسرائيل ستمنع المحققين في القضية المطروحة من السفر إلى الضفة الغربية أو قطاع غزة. كما ويُتوقَّع أن تمنع، بالتهديد والترهيب، بعضَ الشهود من الإدلاء بشهاداتهم.

وهناك تخوُّف حقيقي من عملٍ مخابراتيٍّ سريٍّ قد يستهدف المحققين. كاستخدام أساليب الابتزاز أو التضليل أو إجبارهم على تغيير موقفهم.

ويوجد تساؤلات حول ما إذا كانت التغييرات التي حصلت مؤخرًا في مكتب الادِّعاء سيكون لها تأثير في إجراء التحقيق؛ فالمدعية العامة بنسودا ستنتهي ولايتها في حزيران/ يونيو المقبل هذا العام. وكان هذا بعد العقوبات التي فُرضت عليها من قبل ترامب.

 وسيتقلَّد المحامي البريطانيِّ، كريم خان، المنصبَ بعدها. وتُشير التوقعات أنَّه سيكون له تأثير قوي في سير التحقيقات أو اختيارات الملفات.

وقال المتحدث الرسمي باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي جاندلمان، إنَّ بنسودا حاولت توجيه المدعي العام الجديد لبعض الأعمال التي يُفترض أن يقوم بها، كفتحِ تحقيقٍ ضد إسرائيل.

وأضاف جاندلمان إن “المحكمة تتجاهل أفظع الجرائم التي ارتكبتها إيران في الدول التي تحتلها.” وأشار أيضًا إلى تجاهلها جرائم بشار بحقِّ شعبه.

خاتمة

إنَّ قرار محكمة الجنايات الدولية بفتح تحقيق جرائم حرب يُعدُّ أملًا للفلسطينيين وتطوُّرًا في قضيتهم، ولكن السؤال هنا، هل ستبقى مجريات الأمور تسير في طريقها الصحيح نحو تحقيق العدالة، خاصة وأنَّ الفصائل الفلسطينية ستكون طرفًا تُجرى معه التحقيقات؟ أم هل ستُقلب الأوراق وتنجح إسرائيل في إفشال عملية التحقيق وجلب الكرة إلى ملعبها؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى