وإنني أُحبُّ الكنباصَ وكلَّ وسومِ الجغرافيا

Compass
رباب إسماعيل/ شاعرة سعودية
“والبلادُ التي في حافَّاتِ البَحرِ الروميِّ وفي عدوتهِ مكتوبةٌ كُلّها في صحيفةٍ على شكلِ ما هي عليهِ في الوجودِ، وفي وضعِها في سواحلِ البحرِ على ترتيبِها؛ ومهابُّ الرياحِ وممرَّاتُها على اختلافِها مرسومٌ معَهَا في تلكَ الصحيفةِ ويُسمونَهَا الكَنْباصَ، وعليها يعتمدونَ في أسفارِهم”.
*مقدمةُ ابن خلدونَ
وإنني أُحبُّ الكنباصَ
وكلَّ وسومِ الجغرافيا
فِطرَةَ الترابِ
وهمَ الأقاليمِ
وأحلامَ المداراتِ
النهارَ الذي يتناوبُهُ “الجديُّ”
لي منهُ وفيهِ
لي اندلاعُ الماءُ في الصَّدعِ العظيمِ
كلُّ ذاكَ الأخضرِ
بعدَ البحرِ
أولَ اليباسِ
كُحلُ المحيطاتُ
الموسيقى ال ترصِفُ حزنَ الشعوبِ
كلُّ ذاكَ يسيرُ على “كُنباصِ” الأرضِ/ خرائطِها
تقولُ لي وتضحكُ:
تسكُنينَ في بضعةِ أمتارٍ منَ الأرضِ
مُزيَّنةً بثلاثِ كراتٍ أرضيَّةٍ.
أقولُ لكَ تلكَ الرَّحابةُ
أن تضيقَ بقدميكَ الأرضُ، وَيتَّسِعَ بروحِكَ الكونُ.
وكم كُنتُ أُسافرُ على “كنباصِ” العالمِ
ممدودًا على جدارٍ مُتهالكٍ
تغفلُ عنهُ معلمةُ الجغرافيا
بينما أنهمِكُ أنا فيهِ
أجعلُ للتاريخِ قدمينِ هناكَ
فمرةٌ إلى جبلِ فارانِ
ومرةٌ نحو التيهِ
تسيلُ الموسيقى عندَ درسِ الغاباتِ
أرى كيفَ يختارُ كلُّ شجرٍ آلتَهُ
وكلُّ حيوانٍ مَقتَلَهُ
فيأتي الصوتُ ويولدُ النشيدُ
أمَّا النارُ فتلمعُ من الأحجارِ والمحاجِرِ
تستيقظُ الريحُ في القِفارِ
بينما أغفى وأراهُ عندَ الأقاليمِ الصنوبَريةِ
وهكذا جاءَ، وكانتْ لي سُلالةٌ بين الصنوبرِ والنخيلِ
بمِلحِ المتوسطِ وملامحِ الخليجِ.
وهكذا كُلَّما وجدتُ كنباصًا
تُهتُ في الخرائطِ والملامحِ
وأجراسِ الحروفِ
دلالةُ الأمصارِ
والأسماءُ إلى تُرابِها تُشيرُ
كالجِلدِ والجَلَدِ
وأمَّا الريحُ فضِحكةٌ بينَ الأرضِ والسماءِ حيثُ تَتَخَلَّجُ الأغصانُ كُلَّمَا دبَّ العشقُ
وسنِحَتْ الأطيارُ، وإذا بِها النبوءاتُ
وفيما قالتهُ الريحُ – وهي إلى قلبي تُشيرُ -:
هناكَ فلاّحةٌ عتيقةُ تَحسبُ فاكهةَ الأرضِ قُبلَ الرَّبِ، وأنَّ المواسمَ عناقٌ طويلٌ.