“الحدّ والحديد والحِداد” الحلقة الحادية عشرة من ” ماء الكلام” يكتبها وليد الخطيب
الحلقة الحادية عشرة
ماء الكلام
الحدّ والحديد والحِداد
قالت أحلام مستغانمي: “سأظلّ أنحاز للعربيّة لأنّها لغة قلبي وعقيدتي، ولأنّها وجداننا القوميّ المشترك، ولأنّني لا أعرف كيف أقول كلمة ’أحبّك’ إلّا بالعربيّة، ولا أطرب إلّا لها. ولا يصيبني سهم الكلمات إلّا إذا كان من رمحها. ولا أبلغ حالات التجلّي إلّا في حضرتها”.
لعمري، إنّ لغة الضاد لهي لغة الفخامة والرّقيّ والسحر والروعة والمنطق والعقل، ما قرأها فاهمٌ إلّا طرِب، وما قرأها جاهلٌ إلا هرب.
ليس كلامنا هذا عبثيًّا، وقد أثبتنا ذلك في الحلقات السابقة كلّها.
أمّا موضوع كلامنا اليوم، فهو يتمحور حول كلمة “حدّ” وما يتفرّع عنها. فـ “حد” حرفَان أصلان يدلّان: الأول على المنع والثاني على طرف الشيء. فالحدّ هو الحاجز بين شيئين. فإذا قلنا فلان محدود عن كذا يعني أنّه “ممنوع منه”. أمّا الحديد، فقد سُمّي بهذا الاسم لامتناعه وصلابته وشدّته، فهو بهذه الصفات يمنع من الاختراق والتعدّي وما شابه… ويُسمَّى من يعمل في صناعة الحديد “حدّادًا”، لأنّه في صناعته الأبواب والشبابيك والأسوار… كأنّه يحدّ الناس داخلًا أو خارجًا… ويقال هذا أمرٌ حدَد، أي هو منيع وصلب وقوي.
والمرأة إذا مات عنها بعلها، فهي تمنع نفسها من الزينة والخروج وما إلى ذلك… فهي تكون في حداد، أي تضع حدًّا لما مرّ ذكره إلى حين.
والمحادة: الممانعة، ولكي لا يكون عليّ مأخذ، هذه الكلمة معناها اللغوي هكذا، وهي بعيدة كلّ البعد من الفريق السياسي اللبناني الذي احتكرها ومن تبعه زورًا وبهتانًا.
وقد قال النابغة الذبياني في الحدّ والمنع:
إلّا سليمان إذ قال الإله له قم في البريّة فاحددها عن الفند
أي امنع الناس من الزلل والخطأ.
وفي الشرع الإسلامي، ثمّة حدود للعصاة. فيقال يقام على فلان الحدّ، أي يُقتَصُّ منه. فالحدّ – القصاص – يمنع العاصي من معاودة فعله.
ومن ضمن معاني الحدّ، الحدّة التي تعتري الإنسان في حالة الغضب والنزق. فإذا غضب المرء وخرج عن طوره، يقول كلامًا جارحًا ونابيًا… وبعيدًا كلّ البعد من العقل والمنطق. والسبب في ذلك، هو أنّه محتدّ، وهذا الاحتداد يمنع عقله من التفكير السليم ومن فعل الصواب وقول ما هو حقّ.
أما الأصل الثاني فهو حدّ السيف أي حرفه، وكذا حدّ السكين… وفي الطرف منعٌ أيضًا.
بالله عليكم بعد هذا كلّه، هل يُعقَل أن نطرب للغة أخرى غير هذه اللغة؟!
