من هو روبن هود الجزيرة العربية؟

من هو روبن هود الجزيرة العربية؟
صفاء حميد- خاص اليمامة الجديدة
معظمنا عرف روبن هود على الشاشة الصغيرة في سنوات الطفولة القديمة، شابٌ شجاع و رامي سهامٍ محترف يحارب الظلم و الطغيان، وأثناء ذلك يسطو على الأغنياء ويسلب منهم الأموال لا لمطامع شخصية، ولكن ليساعد الفقراء ممن يعرفونه أو يتبعونه.
ربَّما شكَّل روبن هود أول صدمة لنا في سنّ النشوء والتعلُّم، حيث يحرص الجميع حولنا، إن كان في البيت أو في المدرسة، أن يذكِّرونا دوماً بذنب السرقة، ومآلها الخطير علينا وعلى المحيطين بنا، ثمَّ وفي خِضَمِّ كل هذا يبرز لنا روبن هود في برامج الأطفال لصَّاً نبيلاً ومحارباً شجاعاً للظلم، ولمَّا كنا حديثي سن؛ فلم نفكر في حيثيات وجوده بقدر ما انصبَّ تفكيرنا حول هل اللصوصيَّة بهذا السوء كما يدَّعي من حولنا؟
كبرتُ وأنا أحمل سؤال روبن هود في ذهني، وقد أوشكت أن أسلِّم جدلاً بأنه محض شخصية خيالية تعيش في الفلكلور الإنجليزي، وتُقَدَّم لنا في الأفلام والمسلسلات على سبيل المتعة والتلهِّي، وأوشكت على ترك سؤالي حتى برز لي عروة بن الورد في كتاب الشعر الجاهلي.
على غرار روبن كان عروة لصَّاً ومقاتلاً، وعلى عكس روبن الخيالي كان عروة حقيقيَّاً حتى النخاع. تحت شمس الجزيرة العربية، نشأ شاباً حسن الوجه، تامّ الخِلقة والخُلُق لأسرةٍ تنتسب لبني عبس، وهم يُعدُّون على الكرام من العرب.
تفتَّح في ذهن عروة الشاعر الشاب سؤال الطبقية الاجتماعية في مجتمع كان يكاد يختنق بها، فأينما تلفَّت وجد الناس إما أعزَّة أو أذلَّة، إما فقراء محرومين أو أغنياء مترفين، تلك المسافة بين طبقتين هي ما خلقت من عروة العادي، عروة الذي عرفناه لاحقاً باسم عروة الصعاليك.
ثار عروة في دواخله على محيطه، واستنكر الظلم الواقع على بعض الناس لحساب بعضهم الآخر، ولمَّا لم تكن مطالباته الكلامية تجدي نفعاً؛ قرَّر أن يدخل المعترك بسيفه، فسمّى نفسه صعلوكاً، وقد كان الصعاليك في زمنه جماعات منبوذة، طُرِدَ أفرادها بعيداً عن قبائلهم إما لارتكابهم جنايةً، أو لافتقارهم للنسب أو لعلةٍ أصابت أجسادهم.
أما عروة فقد خلق لنفسه صعلكةً أخرى، صعلكةً لو كانت في وقتنا الحاضر ربّما كان نشأ عنها تيارٌ فكريٌّ اجتماعي، لا يقلُّ عن أيِّ تيارٍ موجود الآن.
عروة الصعاليك أو روبن هود جزيرة العرب، الثائر على أعراف القبيلة والرافض للطبقية الاجتماعية، ولاحتكار الأموال، ولجعل النسب معياراً للعز والذل، احترف الصعلكة واحترف معها السرقة والنهب، يتحرَّى الأغنياء وينهبهم ليسدَّ بما ينهبه منهم رمق الفقراء والمستضعفين، ثائراً بذلك على المنطق والمبدأ القائل بعِظَم ذنب السرقة.
عروة وروبن صعلوكان كلٌّ من زمان ومكان وظروف مختلفة، أحدهما عاش في خيال الناس والآخر كان يوماً ما حيَّاً يُرزق، كلاهما قرَّرا أنَّ المال حقٌّ للفقير كما هو حقٌّ للغنيّْ، وأنَّ ما لا يُؤخذ بالرضا، يُستلب عنوةً لإحقاق حقٍّ وتفنيد قهر.
قد تتفق مع روبن وعروة وقد لا تتفق، لكنَّك لن تتجاوز أبداً حقيقة أنَّهما بصمتان في مسار تصحيح التاريخ وتعديل الفكرة الاجتماعية السائدة في حينها.